خبراء الاختراق الاستشراقي طلائع الاستعمار وأدلاّؤه
حسن السعيد
تباينت وجهات النظر، حول «الاستشراق» وطبيعته وحقيقة وظيفته، وتراوحت الآراء بخصوص ذلك ما بين مادح ومشكك وقادح.. حتى تعريفه اصطلاحاً لم يحظ باتفاق الباحثين والكتّاب.
البدايات. والدوافع
وأيّا كانت التقييمات، فإن «الاستشراق» لفظة مستحدثة الاستعمال في العربية، اتخذها اللبنانيون في القرن التاسع عشر للدلالة على علم (جديد) أقبل عليه الغربيون بدراستهم الشعوب الشرقية، وسمّوا أربابه «المستشرقين». أما صيغة «الاستشراق» فهي «استفعال» من الشرق، اشارة إلى ما يقوم به هؤلاء العلماء من طلب معرفة الشرق في مختلف شؤونه وأحواله(١)، ولعل «مالك بن نبي» خير من حدد هؤلاء وبتعريف دقيق جامع مانع، حينما قال: «إننا نعني
بالمستشرقين الكتّاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الاسلامي والحضارة الاسلامية»(٢)
وبعيداً عن التحديد الدقيق لطبيعة الاستشراق ووظيفته، فقد تطرّق المستشرق الفرنسي «مكسيم رودنسون» إلى ناحية أخرى تتعلق بمولد الاستشراق وأصوله، فقال بأن كلمة (Orientalist) «مستشرق» ظهرت في انكلترا حوالي سنة ١٧٧٩م(٣) وكلمة (Orientaliste) في فرنسا عام ١٧٩٩م، وأدرجت كلمة (Orientalism) بمعنى «الاستشراق» في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام ١٨٣٨م(٤).
والجدير بالذكر، أن ظهور هذه الكلمة في فرنسا أو انكلترا، في الوقت الذي ظهرت فيه، لا يعني أن الاستشراق لم يكن موجوداً من قبل، ولم يأخذ أهميته إلاّ من خلال إدراج هذه الكلمة في القاموس أو الاشارة.. بل بالعكس، فلو لم تكن هذه الظاهرة موجودة من قبل لما أخذت تسميتها ومكانتها هذه(٥).