السيد امير علي مصلح كبير: جحده قوم.وتجاهله آخرون
جلال الانصاري*
كان القرن التاسع عشر على مشارف الانتصاف، اذ كان تقويم السنين يومي الى العام١٨٤٩م.. حينما ولد السيد أمير علي. وكان النفوذ الغربي حينها يدشّن مرحلة الاستعمار المباشر والسيطرة على مناطق شاسعة من ديار المسلمين،فيما تستمر تأثيرات حضارة الغرب بالتسلل، لاختراق البقاع الباقية، على امل أن تقضم الواحدة، تلو الاخرى، والمسألة لم تعد سوى قضيّة وقت.
وفي بداية منتصف القرن التاسع عشر، وعلى التحديد في سنة ١٨٥٧م، أي بعد ثماني سنوات من ولادة « امير علي»، تمّ للانجليز الاستيلاء على الهند سياسياً، وانتقلت سلطة الحكم رسمياً من شركة الهند الشرقيّة (التي أسست سنة ١٦٠٠م) الى التاج البريطاني، وزالت بذلك احدى الدول الاسلامية الكبرى، التي قامت في مستهل القرن السادس عشر الميلادي، وهي دولة المغول في الهند(١).
في تلك الاثناء، كانت القوى الاستعمارية تتوثب للانقضاض على الدولة العثمانية، واقتسام تركة «الرجل المريض»، كما كان يطلق عليها، في دوائر الغرب. ولم يكن هذا «التوثّب» نابعاً من فراغ، أو مجرد أمنيات، بقدر ما كان مبنيّاً على حقائق قائمة على أرض الواقع، اذ تمكنت الدول الاستعمارية من مد نفوذها الى مرافق الدولة العثمانية الحسّاسة، تحت عباءة « التجديد »، الذي كان يعني دقيقاً « التغريب»،بكل ما يمثله من ارضية مناسبة للارتماء في أحضان الغرب، دونما أيّة صعوبة تذكر !
وكان المجال الثاني الذي ظهر فيه ـ لعوامل سياسية وثقافية ـ الصراع بين الشرق والغرب واضحاً قويّاً، وكان مكلفاً باختيار احد الطريقين: الحياة الاسلامية على اساس العقيدة والايمان، والحياة الغربية على اساس القوّة والتقدّم، هوالهند التي توطدت فيها الحكومة البريطانية الزعيمة للحضارة الغربية في الشرق، وزحفت اليها العلوم الحديثة والتنظيمات الجديدة، وما تستتبعها من آلات ومصنوعات وآراء وفلسفات، وكان الشعب الاسلامي الهندي منهوك القوى، مثخناً بالجراح، مجروح الكرامة، يعاني دهشة الفتح وعار الهزيمة،وجيشاً من التهم والظنون، ويواجه فاتحاً ممتلئاً بالقوة والشباب والثقة، وحضارة زاخرة بالجدّة والنشاط