من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )        العقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢ـ ٥٣)        قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)        الجئ نفسك في الأمور كلّها إلى الهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنّه يتسع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٧)      
البحوث > المتفرقة > الاختيار الإنساني ومشكلة تضاد المصالح الصفحة

الاختيار الإنساني ومشكلة تضاد المصالح
السيد كمال الحيدري
من الخصائص التي تميّز بها الإنسان عن كثير من المخلوقات هي أن الإنسان كائن مختار، ويعني ذلك أنه كائن هادف أي يعمل من أجل هدف يتوخّى تحقيقه بذلك العمل، فهو يحفر الأرض من أجل أن يستخرج ماء ويطهي الطعام من أجل أن يأكل طعاماً لذيذاً ويجرّب ظاهرة طبيعية من أجل أن يتعرّف على قانونها وهكذا، بينما الكائنات الطبيعية البحتة تعمل من أجل أهداف مرسومة من قِبل واضع الخطّة، لا من أجل أهداف تعيشها هي وتتوخّى تحقيقها. فالرئة والمعدة والأعصاب في ممارسة وظائفها الفسيولوجية تعمل عملاً هادفاً، ولكن الهدف هنا لا تعيشه هي من خلال نشاطها الطبيعي والفسيولوجي الخاصّ وإنما هو هدف الصانع الخبير. ولما كان الإنسان كائناً هادفاً ترتبط مواقفه العملية بأهداف يعيها ويتصرّف بموجبها، فهذا يفترض ضمناً أن الإنسان في مواقفه العملية هذه ليس مسيّراً وفق قانون طبيعيّ صارم كما تسقط قطرة المطر في مسار محدّد وفقاً لقانون الجاذبية، لأنه في حالة من هذا القبيل لا يمكن أن يكون هادفاً أي يعمل من أجل هدف يعيش في داخل نفسه.
فلكي يكون الإنسان هادفاً لابدَّ أن يكون حرّاً في التصرّف ليتاح له أن يتصرّف وفقاً لما تنشأ في نفسه من أهداف. فالترابط بين المواقف العملية والأهداف هو القانون الذي ينظّم ظاهرة الاختيار لدى الإنسان، كما أن الهدف بدوره لا يوجد بصورة عشوائية فإن كلّ إنسان يحدّد أهدافه وفقاً لما تتطلّبه مصلحته وذاته من حاجات، وهذه الحاجات تحدّدها البيئة والظروف الموضوعية التي تحيط بالإنسان، غير أن هذه الظروف الموضوعية لا تحرّك الإنسان مباشرة كما تحرّك العاصفة أوراق الشجر، لأنّ هذا يعطّل دوره ككائن هادف. فلابدَّ للظروف الموضوعية إذن من تحريك الإنسان عن طريق الإثارة والإيحاء بتبنّي أهداف معيّنة، وهذه الإثارة ترتبط بإدراك الإنسان للمصلحة في موقف عملي معيّن، ولكن ليست كلّ مصلحة تحقّق إثارة للفرد وإنما تحقّقها تلك المصالح التي يدرك الفرد أنها مصالح له بالذات.
وحين ندرس مصالح الإنسان في حياته المعيشية يمكننا تقسيمها إلى فئتين:
إحداهما: مصالح الإنسان التي تقدّمها الطبيعة له بوصفه كائناً خاصّاً كالعقاقير الطبية مثلاً، فإن من مصلحة الإنسان الظفر بها من الطبيعة، وليست لهذه المصلحة صلة بعلاقاتها