أكرم الحسب حسن الخلق. ( نهج البلاغة ٤: ١١)        ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)       لا  تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )     ترك الذنب أهون من طلب التوبة. ( نهج البلاغة ٤: ٤٢)      
البحوث > المتفرقة > لا خلاف في الدين الحق الصفحة

لا خلاف في الدين الحق
الأستاذ محمد فريد وجدى
شرع الله الإسلام لرفع الخلاف الذي وقع بين الناس في العقائد، لأن التدين فطري في النفس البشرية، وموجد الوجود الذي يتوجه إليه الإنسان بالعبادة والاخبات، لا حد له، ولا تستطيع أقوى العقول البشرية أن تصل إلى كنهه، فكيف يعقل أن تختلف فيه ؟ وقد عبد الخالق على هذه الحالة أحقاباً طويلة. فقد أثبت الاستاذ الكبير (ماكس موللر) الآلماني في كتابه الجليل (أصل الدين وارتقاؤه)، بالنصوص الدينية الهندية أن الإنسان أول ما عبد سجد للخالق وحده، وأما هذه الأوثان والأنصاب فليست إلا بنات الخيال، استدعتها محبة الإنسان للمس كل ما يشعر به في نفسه، قال ماكس موللر: (إن هذه الآلهة المجسمة ليست إلا تمثيلاً طرأ على الإنسان بعد تلك الحالة الفطرية. وبناء على هذا فقد ركع آباؤنا وسجدوا أمام الله الحق حتى قبل أن يجرؤا على الاشارة إليه باسمه).
ثم استرسل هذا المؤلف في البيان فقرر بأن أصل الأديان كلها واحد، وما كان سبب تخالفها إلا ما أحدثته النزعات الانسانية، والاهواء النفسانية، من الميل للتحديد والتقييد والحصر. وهذا هو ما نزل به القرآن المجيد حرفاً بحرف. قال الله تعالى (كان الناس امة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
أي أن الناس كانوا أمة واحدة (فاختلفوا) فأرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين ليهدوهم إلى وجوه رفع الخلاف، لأن الحق لا يجوز الخلاف فيه.
وقد شدد الله في الزجر عن الخلاف في الدين لأن تفرق الكلمة فيه يؤدي إلى شر ضروب الانقسام بين الجماعات، ويلد أنكأ الضغائن بينها، وقد عرف أن أغول الحروب غولا، وأهولها هولا، كانت في جميع أدوار التاريخ الحروب الدينية. وقد أصاب المسلمين نصيب منها في القرن الأول من جراء تفرق الكلمة على الخلافة، كان أثرها في وقف الفتوحات الإسلامية ملحوظاً، على أنها كانت ذات طابع سياسي، ولكنها سرعان ما تطورت إلى خلاف ديني للعلاقة الأكيدة بين السياسة والديانة في الإسلام، ودخلت في تطورات شتى لم تنته الا وللمسلمين ثلاث وسبعون فرقة، ولولا أن الله حمى هذا الدين، لما بلغ المسلمون في النواحي العلمية والعملية، وفي بناء صرح المدنية في القرون الستة التي تلت وجوده، إلى مثل ما بلغه مما يذكره مؤرخو الاجانب مقروناً بالاعجاب والدهش من حكمة الديانة الإسلامية.