بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      من أطال الأمل أساء العمل. ( نهج البلاغة ٤: ١٠)      في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)        ربّ يسير أنمى من كثيرٍ. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      
البحوث > المتفرقة > الإنساين والموت الصفحة

الإنسان والموت
الشيخ علي ياغي *
مدخل:
الموت هو ذلك المعنى الذي نعيش الإحساس به والتعرّف إليه في مُجملِ حالاتنا، فتارة نقترب منه عبرَ اختلاجات الألم التي تصيب أبداننا، وأخرى في علامات الوهن تغزو مملكة كياننا، وثالثةً عندما يُحدق بنا خطر مزاحمة قِوى المادة بعضها للبعض الآخر، كمن يُشرف على الغرق في لجّة البحار وغمراتها، أو عندما يَغزو الصقيع صفحة الجلد ويقتحم إلى المستور من مخفياتها، أو عندما يَحملُ الهواء وباءً أو الشرب داء لتتصارع قِوى المادة في داخل عرين الحياة... وأجلى صورة للموت يعرفنا بها قوة سلطانه عندما يصرع فتيّا لا نملك فتوته، أو متمنّعا على جنود القهر بحصون تؤمنه الطوارق في مجرى العادة... ويموت، ونحن لا نملك شيئا من اقتداره.
فنحن نعيش الاحساس بالموت والتعرف إليه عبر رسله التي ما انفكت تلازم كل آناتنا، وبما أنه في بعض تجلّياته يُذهلنا عن الحياة ويُبعدنا عن محاكاة كثير من مقتصياتها، لنا أن ندّعي أننا نعيش الموت أكثر مما نعيش الحياة، ونحسُّه أكثر مما نحسّها لأنّه قادر على تغييبها وهي أعجز من أن تقاومه أو تقاوم شيئا من حكاياته.
وأصعب ما في الموت ليس قَهرُهُ للحياة ولا عدْوُه عليها، إنما تحيُّنهُ الدائم كالنسر يُوقف الحية أمام حدقة عينيه ترسم للحية موتها المقدّر غير أن مخالبه التي تعمل بإرادته لا تعلم الحيةُ متى يُعمِلُها لتُنشب تلك المخالب وتسترق الروح من مخبئها... وأحسن ما في الموت أنه وحده يعطي المعنى للحياة... وأفضل ما في الموت أنه يحول بينك وبين النسيان، يذكّرك ربّك فيجزيك ربّك أن لا تنسى نفسك وما تصير إليه... وخير ما في الموت أنه يعرج بالمؤمن من عالم الشقاء إلى عالم الصفاء، ويريح الأرض من وطأة الجبّارين...
ومع ذلك، ومع ما للموت من ظهور نعيش الإحساس به والتعرّف إليه، يبقى الموت غيبا كلما أبحرنا أكثر في غمراته أوقفنا علمنا به على حقيقة واحدة أننا لا نعقل عن الموت إلا أنه غيب يبطن غيوبا وسرّ مقنع بالأسرار.

* مبلّغ ديني ومدرّس في الحوزة العلمية .