الدين والفلسفة والعلم
الأستاذ عبد الحليم كاشف الغطاء
منذ آلاف السنين بهر الإنسان هذا الوجود بتنوعه وغموضه وجماله ونظامه، ونظرا لما امتاز به الإنسان من مزايا جسمية ومواهب عقلية، بدأ تارة يحاول أن يتفهم أسرار الظواهر الطبيعية والأشياء ومنافعها، كل ظاهرة وكل شئ منفصلا عن غيره، وتارة يحاول أن يعطي تفسيرات عامة تربط بين الأشياء والظواهر المختلفة، وبعد مرور ألوف من السنين في البحث تمكن في الوقت الحاضر أن يتعرف على بعض الحقائق الجزئية التي استعان بها لمنفعته، ولكنه لم يستطع التعمق والوصول إلى الأسرار البعيدة إلا قليلا، والأسئلة العامة التي عرضها فلاسفة اليونان الأقدمون لا تزال محل البحث والجدل، وأهم تلك الأسئلة العويصة هي عن سر الوجود بأجمعه أرضه وسمائه، وعن الجوهر الذي انبثق منه الوجود، وعمن نظم هذا الكون وأعطاه الجمال، وعن سر الحياة , وعن نهاية الكون والحياة، وعن سر الزمان والمكان والمادة.
يمكن أن نحصر تراث الإنسان الفكري، وجميع أنواع المعارف التي أنتجتها حضارة الإنسان في أربعة أقسام: الدين والفلسفة والعلم والفن، العالم يدرس جزءا محدوداً من الكون، يأخذ ظاهرة معينة أو شيئا معينا، ويبحث عن العوامل التي تؤثر فيها، ويوضح لنا كيفية حدوث الأشياء والظواهر، ويقتصر على الأسباب، ولا يعني بالعلل البعيدة، ولا يخبرنا عن الأشياء بذاتها بل يرمز عنها، ولا يطلب من العالم أن يبين الروابط بين أجزاء الكون، فهو يجرد الموجودات، ويفصل بعضها عن البعض الأخر ليسهل عليه درسها وملاحظتها، ويعتمد العالم في الدرجة الأولى للوصول إلى المعرفة، على الحواس والآلات والمقاييس مع إعمال الفكر للإستقراء والمقارنة، وينتقل من الجزئيات إلى الكليات، ويصنف المعلومات التي يحصل عليها بالطريقة المذكورة.
هناك حاجة للربط بين جميع الحقائق التي توصل إليها العلماء، هناك ضرورة للنظر إلى جميع الاشياء الملاحظَة ككل واحد، فمن المعلوم أن الأجزاء في كثير من الأحوال عند ما تجتمع تعطي معنى يختلف عن معاني الأجزاء منفردة، مثلا السيارة تختلف في معناها عن معنى الأجزاء المكونة لها، وعند ما يتحد عنصر الكلود مع عنصر الصوديوم يركبان ملح الطعام الذي يختلف في خواصه وصفاته عن عنصريه، فعلى الفيلسوف ان يربط اكتشافات العالم مع الهام الفنان، وانفعالات المحب، وحماسة المصلح الاجتماعي، والوازع الاخلاقي للرجل العادي، ليعطي لهذه الاجزاء معنى جديدا يفسر فيه الوجود والحياة، العالم يعتمد في