أخلص في المسألة لربّك فإن بيده العطاء والحرمان. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق. ( نهج البلاغة ٤: ٩١)        لا تظلِم كما لا تحب أن تُظلَمَ. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة. ( نهج البلاغة ٣: ٨٨ )     
البحوث > المتفرقة > الاجتهاد في الشريعة بين السنة والشيعة الصفحة

الاجتهاد في الشريعة بين السنة والشيعة
الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء
من أهم الموضوعات الحية التي تتصل بالفقه الإسلامي اتصالا عملياً موضوع " الاجتهاد " وإنما كان هذا الموضوع من أهم الموضوعات، لأن عليه يترتب أهم وصف يوصف به الفقه الاسلامي، من حيث صلاحيته لكفالة الحياة السعيدة للعاملين به المنظمين شئونهم على أساسه، فمن المقرر أن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، وأن لله في كل واقعة حكما حتى أرش الخدش، وما من عمل من أعمال المكلفين من حركة أو سكون الا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة: الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والاباحة، وما من معاملة على مال أو عقد نكاح ونحوهما الا وللشرع فيها حكم صحة أو فساد.
ولما كانت الأعمال غير محدودة، ووجوه التصرفات غير منحصرة، وإنما هي متجددة بتجدد الازمان والأمكنة والأحوال، وقد يوجد في عصر لاحق ما لم يوجد في عصر سابق، فإما أن يقف الناس أمام تلك الامور حائرين مشدوهين، لا يجدون من يفتيهم فيها بحكم الله، ويبين لهم ما عليهم أن يفعلوه، وما عليهم أن يتركوه، فتكون دعوى الصلاحية لكل زمان ومكان في موضع الشك والتزلزل عند عامة الناس وخاصتهم، ويلتمس الناس لأنفسهم فقهاً وضعياً ملائماً لهم، قادراً على تلبية حاجاتهم، وإما أن يستقبل العلماء كل حادثة تجدّ، وكل قضية تعرض، بما كان يستقبل به الفقهاء الأولون حوداثهم، ووجوه التصرفات والمعاملات في زمانهم، فيستنبطوا حكم الله، ويبينوا للناس ما نزل اليهم، ويدخلوا بهذا الفقه كل مجال، ويطرقوا به كل باب، ويحملوا أمتهم وحكامهم ونوابهم عليه حملاً، لا بالقوة ولا بالثورة، ولكن بالاقناع والتوجيه وإبراز محاسنة، والتخلص من الجمود والتعصب، والضيق والتبرم، وحينئذ تصدق دعوى الصلاحية لجميع الأزمان والأمكنة علماً وواقعاً، ويتجلى للناس فضل الفقه الاسلامي، وسعة أفقه وطواعيته، وحسن تقبله لكل ما يفيد الأمة، ولا يخرج عن الأصول المحكمة التي هي أساس الشريعة.
وليس الذي يدعو إلى الاجتهاد هو حاجة الناس إليه فحسب، وإنما هو أمر تقضي به طبيعة الشريعة نفسها، ويؤذن به أن الله ختم بها النبوات، وجعلها آخر الرسالات، وأنه تعالى تكفل بحفظ كتابه الكريم إلى يوم الدين عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولم يكن الخلود والعصمة لمجرد أن يتعبد الناس بتلاوته، وليست العزة لكتاب ما في مجرد تبرك الناس به، وإنما كان هذا وذاك عن حكمة اسمى، ورحمة أعم وأشمل، ذلك أن يظل الناس أبد الدهر منتفعين بكتاب ربهم في جميع شئونهم وأحوالهم، وأن تبقى الحجة به