أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)        لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)        أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      خالطوا الناس مخالطة إن متم بكوا عليكم وإن عشتم حنّوا إليكم. ( نهج البلاغة ٤: ٣)      
البحوث > المتفرقة > العلماء وأخلاقيات الاختلاف الصفحة

العلماء وأخلاقيات الاختلاف
الشيخ حسين قازان*
 الخلاف الفكري بين أهل العلم والمعرفة - في شتى العلوم - مسألة طبيعية ولا غرابة في ذلك ولا استهجان، لأن المستوى العلمي والفكري مختلف ومتفاوت بين عالم وآخر، وكفانا دليلاً على ذلك قول الله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}(١)، وأخصّ بالذكر في هذا الموضوع علماء الدين فقط، فمنهم قادة الأمة، ومنهم الهداة والدعاة، ومنهم الصالحون والمصلحون، وورثة الأنبياء (عليهم السلام).
والخلاف العلمي والفكري بين أهل العلم موجود في كل عصر، وفي كل مصر، وبطون الكتب والمؤلفات القديمة والحديثة خير شاهد وأصدق دليل، ففي تفسير القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وفي الفقه، وعلم الرجال، وعلم أصول الفقه، وغيرها، نجد الآراء المختلفة في شتى المسائل، ولا يوجد إجماع قطعي في أي علم من هذه العلوم في العديد من بحوثها ومسائلها.
وما يمكن أن نسجّله على علمائنا المحقّقين في هذا المجال هو التزامهم بالآداب والأخلاق الإسلامية الفاضلة على الرغم من وجود الخلافات الكثيرة فيما بينهم، سواء كان ذلك في مقام الحوار المباشر، أو في كتاباتهم ومؤلفاتهم، فنجدهم يختارون العبارات اللائقة الخالية عن الإهانة والإساءة في غالب انتقاداتهم، ويبتعدون عن الكلمات الجارحة من السبّ والإهانة والتحقير، حفاظًا على مقام كل منهم للآخر، ووقوفًا عند الأحكام الشرعية التي أمر الله تعالى بها كل مسلم تجاه أخيه، وسعيًا منهم في استمرار الحوار والجدال الهادف من أجل الوصول إلى تحقيق الحقائق، فيختار بعضهم في مقام النقد مثل هذه الكلمات: (هذا من زلّة قلمه الشريف) أو (من سهو القلم)، أو (عدم التنبّه)، أو (قلة التأمل)، ونحو ذلك من الألفاظ، وقد شاهدنا ذلك في عصرنا من بعض أساتذتنا جزاهم الله عنا خيرًا، سواء ذلك في مقام البحث والدرس أو في المجالس الأسبوعية التي كنّا نعيشها أثناء وجودنا في النجف الأشرف.

* عالم عاملي.
(١) سورة يوسف من الآية ٧٦.