التقليد سيرة العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم
الشيخ مفيد الفقيه
التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل، بمعنى أن العامل يستند في عمله إلى قول الغير، ويجعله مسؤولاً عنه، وكأنه قلادة في رقبته، وهذا المعنى هو المفهوم من التقليد لغةً وعرفًا، ولذلك يقال في العرف العام : قلّدتك الدعاء والزيارة، فهو كذلك في العرف الخاص، وعلى هذا المعنى وردت الروايات في التقليد الشرعي.
مسألة التقليد لا تقليد فيها
ومسألة التقليد ليست من المسائل التي يجب التقليد فيها، فإذا قيل بأنه يجب على المسلم أن يُقلّد، فمن الذي حكم عليه بهذا الوجوب ؟ ومن الذي قال له يجب أن يقلد ؟
لا يصح أن يقال : إن هناك شخصًا آمرًا، لأن هذا أيضًا تقليد يحتاج إلى تقليد آخر ليحقّ له الرجوع إليه، وهكذا، فيلزم التسلسل !!
بل الصحيح : أن المكلف المعتقد بالله ورسوله واليوم الآخر وما جاء به الرسول، يعلم بأنه مكلّف بأحكام الشريعة الإسلامية المقدّسة، ويجب عليه الخروج عن عهدة هذه التكاليف بإطاعة أوامر الله تعالى والإقلاع عن المعاصي، لأن الأحكام التي جاءت بها الشريعة منجّزة على كل مكلف، حيث إنه يعلم إجمالاً بوجود كثير من هذه الأحكام في الشريعة، إلا أن أكثر هذه الأحكام مجهولة عنده، عدا ما هو بديهي ضروري كالصلاة وسائر الفرائض، ولكن تفاصيلها مجهولة عند المكلف، ولذلك يُدرك عقله بأنه لا بد من الخروج عن عهدتها، لأن غير العاقل لا يُكلَّف، وحيث إنه لا يعرفها، فلا بد له من معرفتها وتعلُّم تفاصيلها.
فما يعرفه بالوجدان والضرورة لا كلام فيه، وأما سائر الأحكام - وهي كثيرة جدًا تشمل جميع تقلّبات الإنسان وتصرّفاته وأعماله - فلا بد له من معرفتها وتعلّمها ممن يعرفها، ولا بد أن يكون قول هذا الغير حجة عليه، لأن العمل بلا حجة لا يُبرئ الذمة، فلا بد له من التقليد والرجوع إلى من يعلم بهذه الأحكام.
الأدلة
وأما ما هو الدليل على حجية قول هذا العالم في حق الجاهل بالأحكام، فالكلام فيه : (تارة) فيما يستفيده العالم الذي يفتي بوجوب التقليد من الأدلة الشرعية كالكتاب والسنة. (وأخرى) فيما يدعو المكلف - الجاهل بالحكم - للرجوع إلى العالم.