الفلك ببن عصري الجاهلية والإسلام ... وأثر المدارس عليه
د. محمد علي الصايغ(١)
موضوع هذه الدراسة، هو محاولة تتبّع المعارف الفلكية لدى عرب الجاهلية، وموقف الإسلام منها، ثم موقع علم الفلك في الحضارة الإسلامية، وتطوره عند المسلمين، مع محاولة تتبّع دور المجتمع في تطوير كافة العلوم من خلال المسجد إلى نهاية العصر البويهي، ثم دور المدارس الرسمية، وهي المدارس التي أنشأتها السلطة أيام السلاجقة، في تطوير وتنمية العلوم، مع عقد مقارنة في تطور العلوم في عصر المدارس والعصر الذي قبله، والذي يوصف بالعصر الذهبي، إذ إن الثابت تاريخيًا أن المدارس الرسمية لم تنتشر في الدولة الإسلامية إلا في العصر السلجوقي، وذلك عندما أنشأ نظام الملك السلجوقي المدارس المعروفة باسمه (المدارس النظامية)، والتي قامت بتخريج أجيال من الدعاة الدينيين لخدمة الدولة، إذ ضمنت هذه المدارس لأساتذتها وطلبتها الأرزاق بشكل منتظم، ولخرّيجها العمل في دوائر الدولة.
ومن المفيد الإشارة إلى أنه وبينما كان التصدّر في المساجد يعتمد على الكفاءة التامة، صار التصدّر في هذه المدارس يعتمد على أمور عدة، منها حسن العلاقة مع رجال الدولة، الأمر الذي لم يمنع من تعيين المفضول بوجود الفاضل.
وهكذا صار العلماء والمدرسون في عداد موظفي الدولة وحواشيها، وكانت لدى البعض هواجس من أن تفرض السلطة على هذه المدارس الأدعياء والدخلاء فيفسد العلم بذلك، ومن المحتمل أن تدخّل السلطة بالتعليم كان أحد الأسباب التي حدّت من تطور العلوم.
لقد أدّت هذه المدارس دورها المرسوم، فاستمرت المسيرة الفكرية في انطلاقها، وشهدت بروز علماء أكفاء في مجال الفقه، إذ أن السّمة العامة لها كان تدريس الفقه، وهو الاختصاص الرئيسي فيها.
وبهذا صارت معاهد التعليم نوعين:
حلقات حرة في المساجد يرعاها المجتمع، وأخرى في المدارس الرسمية تموّلها الدولة، وبذلك صارت مهمة المسجد التعليمية منحصرة في الدراسات الفقيهة الحرة وإعداد الفقهاء