لا يستحين أحدٌ إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      أكبر العيب ما تعيب ما فيك مثله. ( نهج البلاغة ٤: ٨٢ )      من دخل مداخل السوء اتّهم. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)        أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      
البحوث > المتفرقة > الله يتجلى في الجمال الصفحة

الله يتجلّى في الجمال
الشيخ مصطفى اليحفوفي
مقدمة:
قال بعض أهل المعرفة: إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وهو قول قد بلغ الغاية في الصدق، وأدرك النهاية في الدّقة والعمق، إذ ما من عاقل يَنشُد الحق ويجانب التعصب إلا وهو يجِد بين يديه دروبًا مُمَهَّدة ومسالكَ مُعبَّدة تقوده إلى بواطن المعرفة، وتفضي به إلى مواطن اليقين. يستوي في ذلك من لم يحظَ من نور العلم إلا بقليله، ومن تبحّر فتوغّل واستفاض، فهما في أصل امتلاك الطريق إلى معرفة الله مشتركان، وإن اختلفت الحال بينهما بعد ذلك في عمق الدراسة ودقة البحث وتنوّع الشِعَاب.
وقد انعكس هذا الواقع على كتب العقائد وعلم الكلام، فاحتوت على جملة كبيرة من الأدلة تتناسب وطلابَ المعرفة مهما اختلفت مستوياتهم العلمية أو تباينت قدراتهم العقلية، فكان من بينها ما هو من قبيل ما استدل به الأعرابي حين قال: "البعرة تدلّ على البعير، وأثر الأقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، لا تدلان على اللطيف الخبير؟!"(١).
كما كان من بينها أيضًا ما هو من قبيل (دليل النظم)، والذي يتّخذ من سنن الكون ومن دقة الصنع آية تحكي عن وجود الصانع وسعة علمه وعظمة شـأنه.
وتتوالى الأدلة بعد ذلك وصولاً إلى دليل الوجوب والإمكان، ودليل العلة والمعلول، ودليل صرافة الوجود... وغيرها من الأدلة العقلية والفلسفية. بل تمضي كتب العقائد إلى ما وراء ذلك لتطرق باب البداهة وتستلهم الفطرة المغروزة في كيان الإنسان والمجبولة بطينة وجوده، وتمضي قُدمًا فتسترشد بآيات القرآن الكريم وبكلمات آل بيت النبوة (عليهم السلام ) والتي تُعلّمنا أن معرفة الله سبحانه أوضح من أي برهان وأسبق من كل دليل، وفي هذا الباب نقرأ قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(٢)، ونقرأ أيضًا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الصباح: (يا من دلّ على ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته)(٣). وكذلك قول الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة: (كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيبًا)(٤).

(١) بحار الأنوار، العلامة المجلسي:  ٦٦/١٣٤.
(٢) سورة النور من الآية ٣٥.
(٣) بحار الأنوار: ٨٤/٣٣٩
(٤) بحار الأنوار: ٩٥/٢٢٦.