الرسالة النبوية الخاتمة
الشيخ علي ياغي*
مدخل
بعث الله عزّ وجل رسول رحمته وأمين كلمته محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، بين يدي الساعة ليختم بنبوته ورسالته التامة حجّته على خلقه، فهي خاتمة لما سبق، وفاتحة لما يُستقبل من أيام قبل القيامة، وهي مهيمنة على الزمان كلّه.
جاءت هذه الرسالة وشعارها الدعوة إلى العلم وإقامة العدل، وتكميل الأنفس بخير المكارم وأجمع الفضائل وأتم البرهان وأعلى الحكمة، وتعقّبت هذه الرسالة التجربة الإنسانية التي تراكمت جهود أبنائها في مسيرة مضنية شاقة، حافلة بألوان حمراء وسوداء، وقليل نادر من لون الراحة والهناء.
جاءت هذه الرسالة تحمل النور والهداية إلى كلّ حقّ وحقيقة وصراط مستقيم، تبثّ علمها وروح حكمتها وعطر بيانها بمنطق رقيق عطوف شفيق، تدعو إلى سبيل رب العالمين بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحرص على سوق الأنفس إلى صراط العزيز الحميد، برأفة الآباء وحنو الأمهات، تفتح لهم مغاليق أبواب المعرفة، وتطرق عليهم باب سباتهم لتوقظهم من مهلكات الغفلة، تُرادف في بيّناتها وتتابع في آياتها، وتخاطب كلّ ذي عقل بعقله، وكلّ ذي فن بفنّه، وكلّ ذي معرفة وعلم في معرفته وعلمه.
وإننا إذ نقف معها اليوم وقفة تأمل في حدود مقال، أحبّ أن أبرز بعض خصائصها وأُشير إلى بعض معالمها، محاولاً بذلك تكميل وعيي عسى أن أكون في عداد طالبي الرشد، وعسى أن ألفت البعيد عنها إلى بعض حقائقها، ومنه سبحانه استمد العون.
الحقيقة الأولى: جامعية الرسالة
إننا نعتقد جامعية الرسالة المحمدية الطاهرة لكل نواحي الحياة الإنسانية ذات الصلة بالهداية إلى الحق والحقيقة، إن في مجال الفكر والاعتقاد أو في ثمراتهما من صناعة الحياة الطيبة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
فالملاحظ بوضوح تام، أنها رسالة أضاءت أنوار شموسها جميع الآفاق الداخلة في الاهتمام الإنساني، على مدى مساحة هذا الاهتمام في الزمان والمكان وما يعتريهما من أحوال.
ويبتني شمولها وجامعتيها فيما يبتني عليه: