دعوة الإسلام حكمةٌ وسلام *
العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي
ملخص تاريخ الإسلام من بدء دعوته إلى حين انتشاره
إن بلاد العرب كانت على أقبح جانب من العبادة الوثنية الأهوائية، والعوائد القاسية الوحشية، وخشونة الظلم والجور، وإدمان الحروب والغارات.
قد امتازت كل قبيلة بجبروت رياستها، واستقلّت بعصبية قوميتها، حتى إن كل قبيلة اختصّت بصنم معبود، لئلا تخضع إلى قبيلة أخرى، واستمروا على ذلك أجيالاً متعددة تتراكم عليهم فيها ظلمات الوحشية. وضلالات الوثنية، وعوائد الظلم، وقساوة العداوة، والحروب المبيدة الفظيعة، بل كانت الدنيا بأسرها مرتبكة بين العبادة الأوثانية الصريحة، وبين التثليث وتجسيد الإله والسجود للأيقونات (الصور والتماثيل) وإن جرى لفظ التوحيد على بعض الألسن لفظًا بلا معنى، حتى إنك ترى معارف التوراة الدارجة في الإلهيات ناشئة من مبادئ وثنية يجب أن ينزّه عنها جلال الله.
وعند تراكم هذه الظلمات والضلالات، وهيجان براكينها الهائلة نبغ صاحب دعوة الإسلام والتوحيد الحقيقي (محمد)، وأعلن بين العرب بادئ بدء بدعوة الإسلام التي هي أثقل عليهم من الجبال، فدعاهم جهارًا إلى رفض معبوداتهم من الأوثان، وترك عوائدهم الوحشية، وإلى الخضوع لعدل المدنية، والتجمّل بالأخلاق الفاضلة والآداب الراقية، واستمر على هذه الدعوة في مكة نحو ثلاث عشرة سنة.
وفي السنة الثالثة من دعواه الرسالة أعلن بدعوته لعامة الناس إعلامًا تامًا، وصار ينادي بدعوته في جميع أيامه في المحافل والمواسم بجميل الموعظة، وقاطع الحجة، والإنذار بالعقاب والبشرى بالثواب، وحسن الترغيب والترهيب، وتلاوة القرآن، والإعذار بالنصيحة، لم يَهَبْ في دعوته طاغوتًا ولم يستحقر فيها صعلوكًا، يدعو الشريف والحقير والمرأة والعبد.
وقد آمن -في خلال هذه الدعوة- بدعوته الثقيلة على الأهواء من كل وجهة خلق كثير من أهل مكة وضواحيها من قريش وغيرهم، واحتملوا في سبيل ذلك أشد الاضطهاد والهوان، والجلاء عن الأوطان إلى الحبشة وغيرها.
فكم من شريف في قبيلته عزيز في أهله وقومه صار بإسلامه مهانًا مضطهدًا، وكل هذا