حقوق النفس والبدن في الإسلام
الشيخ حاتم إسماعيل
مقدمة
إن من المسائل الظاهرة التي لا لبس فيها، لكل من يسرح نظره في الدين الإسلامي الحنيف، ويعمل بصيرته في نصوصه الشرعية، كتابًا وسنة، أنه نظر إلى الحياة والوجود نظرة واقعية وموضوعية، استطاع من خلالها تنظيم حياة الإنسان على المستوى الفردي والاجتماعي، على نحو يشمل جميع شؤون الحياة المتعلقة به، وعلى المستوى الدنيوي والأخروي، فلم يرتضِ لأتباعه حياة العزلة والابتعاد عن هموم الناس ومشاكلهم، بذريعة المحافظة على الذات وتحصيل الآخرة، كما في بعض الديانات الأخرى، التي توهمت أن خلاص النفس لا يتحقق إلا بإيذائها، كما لم يرتضِ لهم الانغماس المطلق في مقتضيات عالم الدنيا ونسيان عالم الآخرة، وما أعدَّ فيها من حياة طيبة للمحسنين، وقد اشتهر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
"إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".
الانسان في بعديه المادي والروحي
وقد اتفق الفلاسفة الإلهيون، وأتباع الديانات السماوية، أن للإنسان بعدين يشكلان جوهره وحقيقة وجوده، هما البعد المادي ويمثله البدن وآلاته، والبعد الروحي وتمثله نفسه وعقله، وليس لأي منهما أي غنى عن الآخر على صعيد الحياة الدنيا، والوصول به إلى الغاية القصوى.
إن من الواضح أن الوجود نعمة للإنسان تفضّل الخالق تعالى بها عليه، وأراد منه أن يقوِّم هذا الوجود ويسير به في الاتجاه الصحيح، الذي يحقق به كماله وذاته، قال تعالى:
"يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه(١) ".