الحدة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم. ( نهج البلاغة ٤: ٥٦)      إياك ومصادقة الكذاب فإنّه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب. ( نهج البلاغة ٤: ١١)      صدر العاقل صندوق سره. ( نهج البلاغة ٤: ٣)      من دخل مداخل السوء اتّهم. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٢٠)      
البحوث > المتفرقة > الحسين عليه السلام وحده يبكي الوجود الصفحة

الحسين عليه السلام وحده يبكي الوجود
الشيخ طلال الحسن
إن كنت محزوناً فما لك ترقد      هلاّ بكيت لمن بكاه محمدُ
ولقد بكته في السماء ملائك         زهر كرام راكعون وسجدُ
والشمس والقمر المنير كلاهما    حول النجوم تباكيا والفرقدُ
 عن ميثم التمار عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في حقِّ ولده الإمام الحسين عليه السلام:(يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً)(١).
لو تأمّلنا هذه الفقرات العلوية في وصف جملة من المفردات الوجودية لانتهينا إلى أن الوجود بأسره يبكي لفاجعة الإمام الحسين عليه السلام, فالإمام علي عليه السلام أجمل قوله بكلمة:(يبكي عليه كل شيء), ثمّ فصّل لنا في ذلك فانتخب الأشياء التي قد تنقدح في ذهن المُتلقي, حيث سوف تأتي الوجودات الأرضية البرية والبحرية وكذلك الوجودات السماوية المرئية الحيَّة وغير الحية, ثمّ تنقدح في الذهن الموجودات الغيبية, كالملائكة والجنّ, حتى يترقّى المتخيل المستشكل ضمناً فتنقدح في ذهنة الوجودات العلوية كحملة العرش.
وهنا يختصر أمير المؤمنين علي عليه السلام الطريق أمام السائل فيُوقفه على عينات مهمة منتخبة من مجموع العوالم المادية والمجردة, فيبدأ بالأكثر بُعداً واحتمالاً وهي الوحوش الكاسرة, ولعل السرّ في ذلك هو أن كاسرية ووحشية هذه الحيوانات تُشكّل حجر الزاوية في انحطاطها وبعدها عن الحياة المدنية, وكأنها تطلب من ينقذها من هذه الطبيعة المؤلمة.
إنّ اختصار الوجود الممكن بهذه العينات يهدف إلى عظمة العبء الإلهي الذي حمله الإمام الحسين عليه السلام وحجم المسؤولية الكُبرى التي تكفّل بها, حيث كانت الخلائق ترزح تحت ظالمية الإنسان وطغيانه الذي تمثل آنذاك بأبشع شرذمة وهي بنو أُمية الذي علا طغيانهم

(١) الأمالي للشيخ الصدوق: ص ١٨٩ ح ١ .