المثل الأعلى - ١
الشيخ طلال الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
يتحرك الإنسان باتجاه مستقبلهِ حركةٍ تكوينية لابد منها, قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} ـ الانشقاق:٦ ـ , فالكدح هو الحركة والسير بجهد نحو الهدف والغاية, ولكنّ هذه الحركة حركةٌ مرنة, بمعنى أن الإنسان بإمكانه أن يرسم ملامح هذه الحركة التكوينية ويُحرّكها باتجاهات مختلفة
, وهنا تتحقق الوسطية بين الجبر والتفويض, فكونك تتحرك أمر لابدّ منه, ولكن كيفية التحرك أمر متروك لك بحسب التصور الأولي, قال تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ـ البلد:١٠ ـ أي عرَّفناه بطريق الحق وطريق الباطل, وقد عبّر بالنَّجْدَيْنِ لأن النَّجْد هو المكان المرتفع الذي يراه الجميع, وقد غرس الله تعالى في فطرة الإنسان معرفة الخير وحبَّه, ومعرفةَ الشر وبغضَه, ثم عرّفَهُ بسبيل الحق الموافق لفطرته جملة وتفصيلاً ولم يُجبره ابتداء على التمسك بالحق, قال تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ـ الإنسان:٣ ـ , أي إما أن يلتزم ويُظهر ما آمن به يتنصل عنه ويستر عنه داعي الفطرة .
وهذه الحركة المستقبلية يقف خلفها داعٍ ومُوجّهٍ قد يكون خفياً عن الفاعل لشدة الاندكاك به, إنه القدوة والأُسوة والمثل الأعلى .
إنه الصورة الكمالية الماثلة أم الرائي لها, والهدف المقصود أمام القاصد, يلحظه المتحرك باتجاهه في كل حركاته وسكناته, إنه لحاظ عملي محض, ولذلك فهو قدوة وأُسوة يُقولب خطوات المقتدي به بكمالاته الحقيقية أو المتوهمة .
ولكن الخطر العظيم الذي يجب أن نلتفت إليه ونتعاطى معه بجدية هو أن هذا المثل الأعلى له صور ثلاث مختلفة, ومقاطع مُتفاوته .
كل صورة تحمل كمالاً يستقطب المتحرك باتجاهه, سواء كان ذلك الكمال حقيقياً أم مُتوهماً, وسواء كان مُطلقاً أم مُقيداً .