بَابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين عليه السلام
وَمَوَاعِظِهِ وَيَدْخُلُ في ذلِكَ المخُْتَارُ مِنْ أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِ وَالْكَلاَمِ القصير الخارج في سائِرِ اَغْراضِهِ
١. قَال (عليه السلام) : كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ[١]، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.
٢. وقَالَ (عليه السلام) : أَزْرَى[٢] بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ[٣]
الطَّمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ[٤].
وَالْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ[٥] غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ، وَالْعَجْزُ آفَةٌ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ[٦]، وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى، وَالْعِلْمُ وِرَاثَهٌ كَرِيمَةٌ، وَالاَْدَبُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ، وَصَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ، وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ[٧] الْمَوَدَّةِ، وَالاْحْتِمالُ[٨] قَبْرُ العُيُوبِ.
٣. وروي عنه (عليه السلام) أنّه قال في العبارة عن هذا المعنى أيضاً: الْمُسَالَمَةُ خَبْءُ الْعُيُوبِ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ، وَالصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ، نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجِلِهِمْ.
٤. وقال (عليه السلام) : اعْجَبُوا لِهذَا الاِْنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم[٩]، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم[١٠]، وَيَسْمَعُ بِعَظْم[١١]، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم!!
٥. وقال (عليه السلام) : إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ.
٦. وقال (عليه السلام) : خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
٧. وقال (عليه السلام) : إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
٨. وقال (عليه السلام) : أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ.
٩. وقال (عليه السلام) : إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ[١٢] فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا[١٣] بِقِلَّةِ الشُّكْرِ.
١٠. وقال (عليه السلام) : مَنْ ضَيَّعَهُ الاَْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ[١٤] الاَْبْعَدُ.
١١. وقال (عليه السلام) : مَا كُلُّ مَفْتُون[١٥] يُعَاتَبُ.
١٢. وقال (عليه السلام) : تَذِلُّ الاُْمُورُ لِلْمَقَادِيرِ، حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ[١٦] في التَّدْبِيرِ.
١٣. وسئل (عليه السلام) وعن قول النَّبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآله] وَسلّم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ[١٧]، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ».
فَقَال (عليه السلام) : إِنَّمَا قَالَ (صلى الله عليه وآله) ذلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ[١٨]، فَأَمّا الاْنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ[١٩]، وَضَرَبَ بِجِرَانِهِ[٢٠]، فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ.
١٤. وقال (عليه السلام) : في الذين اعتزلوا القتال معه: خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ.
١٥. وقال (عليه السلام) : مَنْ جَرَى فِي عِنَانِ[٢١] أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ[٢٢].
١٦. وقال (عليه السلام) : أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ[٢٣]، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُهُ بِيَدِ اللهِ يَرْفَعُهُ.
١٧. وقال (عليه السلام) : قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ[٢٤]، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ[٢٥]، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ.
١٨. وقال (عليه السلام) : لَنَا حَقٌّ، فَإِنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الاِْبِلِ، وَإِنْ طَالَ السُّرَى.
و هذا القول من لطيف الكلام وفصيحه، ومعناه: أنّا إن لم نعط حقّنا كنا أذلاّء، وذلك أن الرديف يركب عجُزَ البعير، كالعبد والاسير ومن يجري مجراهما.
١٩. وقال (عليه السلام) : مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ حَسَبُهُ،
٢٠. وقال (عليه السلام) : مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمكْرُوبِ.
٢١. وقال (عليه السلام) : يَابْنَ آدَمَ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ.
٢٢. وقال (عليه السلام) : مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ.
٢٣. وقال (عليه السلام) : امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ[٢٦].
٢٤. وقال (عليه السلام) : أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ.
٢٥. وقال (عليه السلام) : إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَار[٢٧]، وَالْمَوْتُ فِي إِقْبَال[٢٨]، فَمَا أسْرَعَ الْمُلْتَقَى!
٢٦. وقال (عليه السلام) : في كلام له: الْحَذَرَ الْحَذَرَ! فَوَاللهِ لَقَدْ سَتَرَ، حتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ.
٢٧. وسُئِلَ (عليه السلام) عَنِ الاِْيمَانِ، فَقَالَ: الاِْيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، والْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجَهَادِ:
فَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَربَعِ شُعَب: عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ[٢٩]، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ: فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْـمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ، وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ.
وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب: عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ[٣٠]، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ[٣١]، وَسُنَّةِ الاَْوَّلِينَ[٣٢]: فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ، وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الاَْوَّلِينَ.
وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب: عَلَى غائِصِ الْفَهْمِ، وَغَوْرِ الْعِلْمِ[٣٣]، وَزُهْرَةِ الْحُكْمِ[٣٤]، وَرَسَاخَةِ الْحِلْمِ: فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ[٣٥]، وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً.
وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب: عَلَى الاَْمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ الْمُنكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ[٣٦]، وَشَنَآنِ[٣٧] الْفَاسِقيِنَ: فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤمِنِينَ، وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْمُنَافِقِينَ،مَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ شَنِىءَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لله غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى التَّعَمُّقِ[٣٨]، وَالتَّنَازُعِ، وَالزَّيْغِ[٣٩]، وَالشِّقَاقِ[٤٠]: فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ[٤١] إِلَى الْحَقِّ، وَمَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ الْحَقِّ، وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ السَّيِّئَةُ وَسَكِرَ سُكْرَ الضَّلاَلَةِ، وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ[٤٢] عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَأَعْضَلَ[٤٣] عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاقَ مَخْرَجُهُ.
وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَب: عَلَى الَّتمارِي[٤٤]، وَالهَوْلِ[٤٥]، وَالتَّرَدُّدِ[٤٦] والاْسْتِسْلاَمِ[٤٧]: فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ[٤٨] دَيْدَناً[٤٩] لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ[٥٠]، وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ[٥١]، وَمَن تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ[٥٢] وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ[٥٣]، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا.
و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الاطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب.
٢٨. وقال (عليه السلام) : فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ.
٢٩. وقال (عليه السلام) : كُنْ سَمَحاً وَلاَ تَكُنْ مُبَذِّراً، وَكُنْ مُقَدِّراً[٥٤] وَلاَ تَكُنْ مُقَتِّراً[٥٥].
٣٠. وقال (عليه السلام) : أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنى[٥٦].
٣١. وقال (عليه السلام) : مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا فِيهِ [بـ] ما لاَ يَعْلَمُونَ.
٣٢. وقال (عليه السلام) : مَنْ أَطَالَ الاَْمَلَ[٥٧] أَسَاءَ الْعَمَلَ.
٣٣. وقال (عليه السلام) وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الانبار[٥٨]، فترجّلوا له[٥٩] واشتدّوا[٦٠] بين يديه:
مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟
فقالوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فقال (عليه السلام) : وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ[٦١] بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [فِي دُنْيَاكُمْ،] وَتَشْقَوْنَ[٦٢] بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ[٦٣] مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!
٣٤. وقال (عليه السلام) : لابنه الحسن (عليه السلام) : يَا بُنَيَّ، احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً، لاَ يَضُرَّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ:
إِنَّ أَغْنَى الْغِنَىُ الْعَقْلُ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ، وَأَوحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ[٦٤]، وَأَكْرَمَ الْحَسَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ.
يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الاَْحْمَقِ، فَإِنَّهُ يُريِدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ.
وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ، فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ.
وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ[٦٥].
وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ[٦٦]: يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ.
٣٥. وقال (عليه السلام) : لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ[٦٧] إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ.
٣٦. وقال (عليه السلام) : لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الاَْحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ.
و هذا من المعاني العجيبة الشريفة، والمراد به أنّ العاقل لا يطلق لسانه إلاّ بعد مشاورة الرَّوِيّةِ ومؤامرة الفكرة، والاحمق تسبق خذفاتُ[٦٨] لسانه وفلتاتُ كلامه مراجعةَ فكره[٦٩] ومماخضة رأيه[٧٠]، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه، وكأن قلب الاحمق تابع للسانه.
٣٧. وقد روي عنه (عليه السلام) هذا المعنى بلفظ آخر، وهو قوله: قَلبُ الاَْحْمَقِ فِي فِيهِ، وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ.
ومعناهما واحد.
٣٨. وقال (عليه السلام) لبعض أَصحابه في علّة اعتلّها: جَعَلَ اللهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ، وَلكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ، وَيَحُتُّهَا حَتَّ[٧١] الاَْوْرَاقِ، وَإِنَّمَا الاَْجْرُ فِي الْقَوْلِ بِالّلسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالاَْيْدِي وَالاَْقْدَامِ، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبَادِهِ الْجَنَّةَ.
و أقول: صدق (عليه السلام) ، «إنّ المرض لا أجر فيه»، لانه من قبيل ما يُستحَقّ عليه العوض، لان العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد، من الالام والامراض، وما يجري مجرى ذلك،الاجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد، فبينهما فرق قد بينه (عليه السلام) ، كما يقتضيه علمه الثاقب رأيه الصائب.
٣٩. وقال (عليه السلام) في ذكر خباب بن الارتّ: يَرْحَمُ اللهُ خَبَّاباً، فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً، وَهَاجَرَ طَائِعاً، [وَقَنِعَ بالْكَفَافِ[٧٢]، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ،] وَعَاشَ مُجَاهِداً.
طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ، وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ، وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ.
٤٠. وقال (عليه السلام) : لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ[٧٣] الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَاأَبْغَضَنِي، وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا[٧٤] عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي: وَذلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «[يَا عَلِيُّ،] لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ».
٤١. وقال (عليه السلام) : سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عِنْدَاللهِ مِنْ حَسَنَة تُعْجِبُكَ.
٤٢. وقال (عليه السلام) : قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ، وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ، وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ،عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ.
٤٣. وقال (عليه السلام) : الظَّفَرُ بالْحَزْمِ، وَالْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ، وَالرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الاَْسْرَارِ.
٤٤. وقال (عليه السلام) : احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إذَا جَاعَ، واللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ.
٤٥. وقال (عليه السلام) : قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ، فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.
٤٦. وقال (عليه السلام) : عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ[٧٥].
٤٧. وقال (عليه السلام) : أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
٤٨. وقال (عليه السلام) : السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً، فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةِ فَحَيَاءٌ وَتَذَمُّمٌ[٧٦].
٤٩. وقال (عليه السلام) : لاَ غِنَى كَالْعَقْلِ، وَلاَ فَقْرَ كَالْجَهْلِ، وَلاَ مِيرَاثَ كَالاْدَبِ، وَلاَ ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ.
٥٠. وقال (عليه السلام) : الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ، وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ.
٥١. وقال (عليه السلام) : الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ، وَالْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ.
٥٢. وقال (عليه السلام) : الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ.
٥٣. وقال (عليه السلام) : الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ.
٥٤. وقال (عليه السلام) : مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ.
٥٥. وقال (عليه السلام) : الِّلسَانُ سَبُعٌ، إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ[٧٧].
٥٦. وقال (عليه السلام) : الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ[٧٨].
٥٧. وقال (عليه السلام) : إِذَا حُيِّيْتَ بِتَحِيَّة فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وإِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فَكَافِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا، وَالْفَضْلُ مَعَ ذلِكَ لِلْبَادِىءِ.
٥٨. وقال (عليه السلام) : الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ.
٥٩. وقال (عليه السلام) : أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْب يُسَارُ بِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ.
٦٠. وقال (عليه السلام) : فَقْدُ الاَْحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
٦١. وقال (عليه السلام) : فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا.
٦٢. وقال (عليه السلام) : لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ.
٦٣. وقال (عليه السلام) : الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، [والشُّكْرُ زِينَةُ الغِنَى].
٦٤. وقال (عليه السلام) : إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ[٧٩] كيفَ كُنْتَ.
٦٥. وقال (عليه السلام) : لاَتَرَى الْجَاهِلَ إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً.
٦٦. وقال (عليه السلام) : إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلاَمُ.
٦٧. وقال (عليه السلام) : الدَّهرُ يُخْلِقُ الاَْبْدَانَ، وَيُجَدِّدُ الاْمَالَ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ، ويُبَاعِدُ الاُْمْنِيَّةَ[٨٠]، مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ[٨١]، ومَنْ فَاتَهُ تَعِبَ.
٦٨. وقال (عليه السلام) : مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ.
٦٩. وقال (عليه السلام) : نَفْسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ[٨٢].
٧٠. وقال (عليه السلام) : كُلُّ مَعْدُود مُنْقَض، وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت.
٧١. وقال (عليه السلام) : إِنَّ الاُْمُورَ إذا اشْتَبَهَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا[٨٣].
٧٢. ومن خبر ضرار بن ضَمُرَةَ الضُّبابِيِّ عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) .
قال: فأشهَدُ لقَدْ رَأَيْتُهُ في بعض مواقِفِهِ وقَد أرخى الليلُ سُدُولَهُ[٨٤]، وهو قائمٌ في محرابِهِ قابِضٌ على لِحْيتِهِ يَتَمَلْمَلُ[٨٥] تَمَلْمُلَ السَّليمِ[٨٦] ويبكي بُكاءَ الحَزينِ، ويقولُ:
يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا، إِلَيْكِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ[٨٧]؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لاَ حَانَ حِينُكِ[٨٨]! هيْهَات! غُرِّي غَيْرِي، لاَ حاجَةَ لِي فيِكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا! فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ.
آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ[٨٩]!
٧٣. ومن كلام له (عليه السلام) : للسائل لما سأله: أَكان مسيرنا إِلى الشام بقضاء من الله وقدر؟ بعد كلام طويل هذا مختاره:
طوَيْحَكَ! لَعَلَّكَ ظَنَنْتُ قَضَاءً[٩٠] لاَزِماً، وَقَدَراً[٩١] حَاتِماً[٩٢]! وَلَوْ كَانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ والْعِقَابُ، وَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ.
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً، وَنَهَاهُمْ تَحْذِيراً، وَكَلَّفَ يَسِيراً، وَلَمْ يُكَلِّفْ عَسِيراً، وَأَعْطَى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً، وَلَمْ يُرْسِلِ الاَْنْبِيَاءَ لَعِباً، وَلَمْ يُنْزِلِ الكُتُبَ لِلْعِبَادِ عَبَثاً، وَلاَ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً، (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)
٧٤. وقال (عليه السلام) : خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ في صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَتَلَجْلَجُ[٩٣] فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ.
٧٥. وقال (عليه السلام) : في مثل ذلك: الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ.
٧٦. وقال (عليه السلام) : قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ.
وهذه الكلمة التي لاتُصابُ لها قيمةٌ، ولا توزن بُها حكمةٌ، ولا تُقرنُ إِليها كلمةٌ.
٧٧. وقال (عليه السلام) : أُوصِيكُمْ بِخَمْس لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الاِْبِلِ[٩٤] لَكَانَتْ لِذلِكَ أَهْلاً: لاَ يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ، وَلاَ يَسْتَحْيِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: لاَ أَعْلَمُ، وَلاَ يَسْتَحْيِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعَلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ.
وَبِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الاِْيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَد لاَ رأْسَ مَعَهُ، وَلاَ في إِيمَان لاَ صَبْرَ مَعَهُ.
٧٨. وقال (عليه السلام) لرجل أفرط في الثناء عليه، وكان له مُتَّهماً: أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ، وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.
٧٩. وقال (عليه السلام) : بَقِيَّةُ السَّيْفِ[٩٥] أَبْقَى عَدَداً، وَأَكْثَرُ وَلَداً.
٨٠. وقال (عليه السلام) : مَنْ تَرَكَ قَوْلَ: لاَ أَدْري، أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ[٩٦].