تعريف الصوم واقسامه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وهو الامساك عما يأتي من المفطرات بقصد القربة.
اقسام الصوم وحكم المفطر والمستحل
الصوم في اللغة: مطلق الامساك.
قال ابن منظور في اللسان: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير، فهو صائم.
وقال الفيروز آبادي في القاموس: صام، يصوم، أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح.
ويؤيد ذلك قوله سبحانه مخاطباً مريم العذراء: {فقولي اني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسياً}(١).
فقولهم: {فلن أكلم اليوم}، تفسير ما نذرته من الصوم، أعني: الامساك عن الكلام في المقام، لا الطعام والشراب بشهادة انها اطعمت من الرطب قال سبحانه: {وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً}(٢).
وفي عرف الشرع او المتشرعة: الكف عن المفطرات مع قصد القربة، كما عرفه المحقق في الشرائع.
يلاحظ على التعريف: أولاً: ان المطلوب في النواهي هو نفس عدم صدور الفعل، لا صدور فعل منه كالكف فانه فعل للنفس، فيرجع النهي عندئذ الى الامر.
وثانياً: ان التعريف غير مطرد لشموله الكف في الليل، وكان عليه ان يزيد في التعريف قوله: من طلوع الفجر الثاني الى ذهاب الحمرة المشرقية، كما عليه العلامة في الارشاد(٣).
والدليل قوله سبحانه: {حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل}(٤).
وعرفه العلامة بقوله: توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النية(٥).
وهذا التعريف سالم عن كلا الاشكالين، وقد ذيل في كلامه قوله: من طلوع الفجر الثاني الى ذهاب الحمرة المشرقية.
ثم ان المراد من توطين النفس على الامتناع هو الاعم، أي سواء كان المقتضي موجوداً كما إذا كان المأكول والمشروب في متناوله أو لا، فيكفي كونه عازماً على ترك المفطرات وجد ام لم يوجد، كما انه تكفي النية الاجمالية على ترك المفطرات وان لم يعرفها تفصيلاً. ولو قلنا باشتراط التفصيل يلزم بطلان صوم كثير من الناس، لان اغلب الناس غير واقفين على عامة المفطرات وأحكامها.
ثم ان واقع الصوم هو توطين النفس على ترك المفطرات في الفترة الخاصة، فيدخل فيه من أفطر ساهياً لعدم المنافاة بين التوطين وصدور المفطر سهواً. وان ابيت الا عن دخول ((ترك المفطرات)) في ماهية الصوم لا مجرد ((توطين النفس)) فيدخل من أفطر نسياناً في الصوم حكماً لا موضوعاً.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الصوم من اعظم الفرائض، وكفى فيه ما روي عن زرارة بسند صحيح عن ابي جعفر عليه السلام قال: ((بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية. وقال رسول الله (ص): الصوم جنة من النار))(٦).
ثم ان المصنف ذكر في المقام اموراً نشير اليها واحداً بعد آخر.
وينقسم الى: الواجب، والمندوب والحرام، والمكروه بمعنى قلة الثواب.
والواجب منه ثمانية: صوم شهر رمضان، وصوم القضاء، وصوم الكفارة على كثرتها، وصوم بدل الهدي في الحج، وصوم النذر والعهد واليمين، وصوم الاجارة ونحوها كالشروط في ضمن العقد، وصوم الثالث من ايام الاعتكاف، وصوم الولد الاكبر عن أحد ابويه. ووجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين، ومنكره مرتد يجب قتله، ومن أفطر فيه ـ لا مستحلاً ـ عالماً عامداً يعزر بخمسة وعشرين سوطاً، فان عاد عزر ثانياً، فان عاد قتل على الاقوى. وان كان الاحوط قتله في الرابعة. وانما يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزر في كل من المرتين أو الثلاث واذا ادعى شبهة محتملة في حقه درئ عنه الحد.
أ ـ تقسيم الصوم الى اقسام اربعة
ينقسم الصوم الى: الواجب كصوم شهر رمضان، والمندوب كصوم عرفه، والحرام كصوم العيدين، والمكروه كصوم يوم عاشوراء ولا ينقسم الى المباح، لان العبادة تتقوم برجحان العمل، والمباح ما يكون فيه الطرفان سواء.
كما ان الكراهة في العبادات بمعنى كونه اقل ثواباً ـ كالصلاة في الحمام ـ لا بمعنى وجود منقصة وحزازة في العمل ـ كما هو الحال في سائر المكروهات ـ والا فالصوم المكروه لا يصلح للتقرب، لان ما كان مبغوضاً للمولى او تركه راجحاً على فعله لا يكون مقرباً، فلذلك فسروا الكراهة في العبادة بمعنى كونه اقل ثواباً من فرد أو نوع آخر مع رجحانه في ذاته.
ثم ان المصنف ذكر للصوم الواجب اقساماً ثمانية مع انه اكثر من ثمانية، كصوم من نام عن العشاء حتى طلوع الفجر فصيام ذلك اليوم واجب عند جماعة، والصوم الواجب بأمر الاب أو الجد، ولعله ترك الأول لعدم ثبوته عنده، واما الثاني فهو داخل في بعض هذه الاقسام، واما البحث عن احكام هذه الاقسام فموكول الى محله.
ب ـ وجوب الصوم من ضروريات الدين
والمراد من الضروريات هي التي لا يكاد تختفي شرعيتها على من تدين بشريعة الاسلام، والصلاة والصوم من هذا القبيل.
وهل انكار الضروري بنفسه موجب للارتداد، او لاجل كونه ملازماً لانكار الرسالة؟ والحق هو الثاني، فليس هو سبباً مستقلاً للكفر.
نعم، السبب هو وجود الملازمة عند المنكر لا عند المسلمين، فلو انكر عن شبهة فليس بمرتد. كما هو الحال فيمن نشأ في البلاد النائية عن الاسلام والمسلمين.
والحاصل: ان الانكار إذا كان عند المنكر طريقاً لانكار الرسالة فهو مرتد، والا فلا. والتفصيل في محله.
ج ـ حكم منكر وجوب الصوم
إذا كان وجوب الصوم من الضروريات، فمنكره محكوم بالارتداد، والمرتد يقتل إذا كان الارتداد عن فطرة، والا فيستتاب، فان لم يتب قتل كما في المرتد عن فطرة. والتفصيل في محله.
ويدل على القتل في خصوص الصوم صحيحة بريد العجلي، قال سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل شهد عليه شهوداً أنه افطر من شهر رمضان ثلاثة أيام، قال: ((يُسأل هل عليك في افطارك أثم؟ فان قال: لا، فان على الامام ان يقتله، وان قال: نعم، فان على الامام ان ينهكه ضرباً)).
وروى الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب مثله(٧).
د ـ من أفطر لا مستحلاً
إذا افطر في شهر رمضان لا مستحلاً، عالماً عامداً، ذهب المصنف الى انه يعزر بخمسة وعشرين سوطاً، لخبر المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أتى أمرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: ((ان كان استكرهها فعليه كفارتان، وان كانت طاوعته فعليه كفارة، وان كان اكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحد، وان كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً))(٨).
وفي سند الحديث: علي بن محمد بن بندار، عن ابراهيم بن اسحاق الاحمر، وكلاهما لم يوثقا.
مضافاً الى ان الراوي هو المفضل بن عمر، وقد اختلفت كلمات الرجاليين في حقه، وان كان الحق كونه ثقة، وقد أملى الامام عليه السلام عليه رسالة مفصلة في التوحيد، وهو كاشف عن جلالة مقامه، والا لما بذل الامام عليه السلام له هذا الجهد الاكيد.
ولكن المحقق اعتذر عن ضعف السند بأن علمائنا ادعوا على ذلك اجماع الامامية، فيجب العمل بها وتعلم نسبة الفتوى الى الائمة عليهم السلام باشتهارها، وستوافيك عبارته عند البحث في كفارة الصوم.
وعلى كل تقدير فالرواية واردة في خصوص الجماع، وفي غيره يرجع الى اطلاق رواية العجلي الذي جاء فيه، قوله: ((فان على الامام ان ينهكه ضرباً)) فيكون موكولاً الى نظرة.
هـ ـ قتل المفطر غير المستحل في الثالثة
إذا عاد المفطر عزر ثانياً، فان عاد قتل في الثالثة، والدليل على ذلك صحيح سماعة، قال: سأله عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد افطر ثلاث مرات وقد رفع الى الامام ثلاث مرات؟ قال: ((يقتل في الثالثة))(٩).
والمراد برفعه الى الامام، هو اجراء الحد عليه لا مطلق رفع أمره وان لم يجر عليه الحد.
ومما يدل على القتل في الثالثة صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، قال: ((اصحاب الكبائر كلها إذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة))(١٠).
وقد احتاط المصنف بقتله في الرابعة، وليس له دليل صالح سوى موثقة اسحاق بن عمار في مورد الزنا(١١). ومرسلة الكليني الظاهرة في مورد الخمر(١٢).
والتفصيل في محله.
وفي الختام لو ادعى المفطر الشبهة يقبل قوله، كما إذا قال: لم اكن عالماً بالحكم الشرعي، فلا يجري عليه الحد، لمرسلة الصدوق عن رسول الله(ص) انه قال: ((ادرأوا الحدود بالشبهات))(١٣).
والحديث وان كان مرسلاً لكن الصدوق ينسبه الى الرسول ويقول: قال رسول الله(ص).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين