تعريف الزكاة وكونها من ضروريات الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الزكاة: التي وجوبها من ضروريات الدين، ومنكره مع العلم به كافر، بل في جملة من الأخبار: أنّ مانع الزكاة كافر).
مقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطاهرين.
أمّا بعد
فإنّ الزكاة إحدى المنابع المالية للحكومة الإسلامية، وقد استأثرت باهتمام الفقهاء منذ رحيل الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى يومنا هذا من خلال كثرة البحوث التي دارت حولها، وهذه الأهميّة تتزايد في الوقت الحاضر لا سيّما بعد قيام الحكومة الإسلامية في إيران. هذا إضافة إلى ترك العمل بهذه الفريضة في أكثر الأماكن، فعلى العلماء إحياء تلك الفريضة من خلال تأليف كتب ورسائل وإلقاء محاضرات في هذا الصدد بغية تنبيه الغافلين وتعليم الجاهلين بهذه الفريضة المهمّة.
وقد جعلنا محور الدراسة كتاب (العروة الوثقى) لفقيه الطائفة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره.
معنى الزكاة لغةً
أقول: الزكاة في اللغة: النمو، يقال: زَكَى الزرعُ يزكو، إذا حصل منه نموُ وبركة، وكأنّ المال ينمو بالزكاة. هذا ما ذكره الراغب في مفرداته.
ويظهر من (المقاييس) كونه مشتركاً بين النمو والطهارة، قال: (زكي: أصل يدلّ على نماء وزيادة. ويقال: الطهارة زكاة المال.
قال بعضهم: سمّيت بذلك لأنّها ممّا يُرجى به زكاء المال، وهو زيادته ونماؤه. وقال بعضهم: سمّيت زكاةً لأنّها طهارة.
قالوا: وحجّة ذلك قوله جلّ ثناؤه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(١)(٢).
ويؤيّد الاشتراك قوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)(٣)، أي طهَّرها وأصلحها بطاعة الله وصالح الأعمال(٤).
تحديد ضروريات الدين
ثمّ إنّ الماتن وصف وجوب الزكاة بأنّها من ضروريات الدين، وتحقيق هذا الكلام يتوقف على تحديد ضروريات الدين ليُعلَم انطباقه على وجوب الزكاة.
ويمكن أنّ يحدّد بالبيان التالي: أنّ الحكم التشريعي إذا بلغ من الوضوح بمرتبة لا يجهله إلاّ شُذّاذ الناس من المسلمين ـ ممّن يعيش بعيداً عن الأوساط الإسلامية ـ فهو من ضروريات الدين، وإلاّ فيمكن أن يكون من ضروريات الفقه كحرمة وطء الحائض، أو لا يكون واحداً منهما كوجوب السورة التامة في الصلاة، أو لزوم الترتيب في الغسل غير الارتماسي.
فمثلاً: هناك فرق بين وجوب الصلاة ومعرفة دية الإنسان على وجه التحديد، فالأوّل لا يجهله أحد، بخلاف الثاني. ووجوب الزكاة من القسم الأوّل.
ويكشف عن ذلك أنّه سبحانه ذكر الزكاة في كتابه (٣٢) مرّة، مضافاً إلى أنّها قورنت بالصلاة في موارد كثيرة، وقد تضافرت الروايات على وجوبها(٥).
غير أنّ الظاهر من المحقّق الأردبيلي تحديد الضروري بنحو آخر، حيث قال: (المراد من الضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقيناً كونه من الدين ولو بالبرهان ولو لم يكن مُجمَعاً عليه؛ إذ الظاهر أنّ دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مثلاً ـ في ذلك الأمر مع ثبوته يقيناً عنده. وليس كلّ من أنكر مُجمَعاً عليه يكفّر، بل المدار على حصول العلم والإنكار وعدمه، إلاّ أنّه لمّا كان حصوله في الضروري غالباً جُعل ذلك مداراً وحكموا به، فالمُجمَع عليه ما لم يكن ضرورياً لم يؤثّر)(٦).
وحاصل كلامه: أنّ تفسير الضروري بالمجمع عليه ليس بصحيح، إذ ليس إنكار كلّ مجمع عليه ـ ما لم يصل إلى حدّ الضرورة ـ موجباً للكفر، وكم من مسألة مجمع عليها في الفقه وليس كلّ ما كان شرعياً كان ضرورياً والمدار في الكفر أنْ ينكر ما ثبت عنده يقيناً من الدين ولو بالدليل ولم يكن مجمعاً عليه.
غير أنّ عدول العلماء عن هذا الملاك إلى إنكار الأمر الضروري من الدين هو لوجود ما اختار من الملاك في الضروري عالماً، وإلاّ فالميزان هو إنكار ما ثبت عنده من الدين، سواء كان مجمعاً عليه أو لا، ضرورياً أو لا.
إذا علمت ذلك فاعلم أنّ إنكار الضروري بما هو هو ليس من موجبات الكفر؛ لما ثبت في محلّه أنّ الإيمان والكفر منوطان باُمور ثلاثة: الإقرار بالتوحيد، الإقرار بالرسالة، والإقرار بالمعاد، أو إنكارها. فمن اعترف بالثلاثة فهو مسلم، وإن أنكر واحداً منها فهو كافر.
قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ: ((الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله، وبه حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث))(٧).
وعلى ذلك فليس إنكار الضروري بنفسه من أسباب الكفر. نعم، إذا كان ملازماً لإنكار واحد من الاُصول الثلاثة، بل يكفر لأجل الملازمة.
وقال العاملي: ( وهنا كلام في أنّ جحود الضروري كفر نفسه أو يكشف عن إنكار النبوة مثلا ؟ ظاهرهم الأوّل، واحتمل الاُستاذ الثاني، قال: فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره، إلاّ أنّ الخروج عن مذاق الأصحاب ممّا لا ينبغي)(٨).
قلت: توضيح ما ذكره ذيلاً فهو غير صحيح في المقام، خصوصاً بالنظر إلى درء الحدود بالشبهات.
والمراد الملازمة العرفية بين الإنكارين عند المنكر لا الملازمة العرفية بينهما عند المخاطب، ولذلك لو أنكر لشبهة أو لغير ذلك لم يُكفّر؛ ولذلك قّيد المصنّف بقوله: (ومنكره مع العلم به كافر).
ثمّ إنّ مانع الزكاة وُصف في بعض الروايات بالكفر(٩)، ولكن المراد منه هو الكفر في مقابل الشكر.
توضيح ذلك: أنّ الكفر يطلق ويراد منه كفر الملّة، وهذا هو الكفر المقابل للإيمان. وربّما يطلق ويراد منه كفر النعمة، أي مَن يملك النعمة ولا يشكر معطيها، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(١٠)، ونظيره قوله سبحانه: (لِيَبْلُوَنِي أَأََشْكُرُ أمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ رَبَّي غَنِِيٌّ كَرِيمٌ)(١١).