استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥ـ ٤٦)       لا  تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بِشَرٍّ بعده الجنة. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)        عوّد نفسك التصبُّر على المكروه ونعم الخلق التصبّر. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      
الدروس > بحث خارج > فقه > الخمس الصفحة

وجوب الخمس
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
صرّح المحقق اليزدي ـ رضوان الله تعالى عليه في صدر كلامه في كتاب الخمس بانه من الفرائض و قد جعلها الله تعالى لمحمّد(ص) وذرّيته عوضا عن الزكاة اكراما لهم“ بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين.
فهنا مسائل:
الأول ـ اصل وجوبه.
الثاني ـ كونه عوضا عن الزكاة.
الثالث ـ كونه من الضروريات التي يوجب انكارها الكفر اجمالا.
ولكن ينبغي بيان تعريف الخمس الذي هو موضوع هذا الحكم.
قال ثاني الشهيدين ـ قدس سرهما ـ في المسالك: «الخمس عوض مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالاصالة عوضا عن الزكاة».
واحترز بالحق المالي عن غير المالي كالولاية، و بثبوته لبني هاشم عن الزكاة وشبهها، وبقوله في مال مخصوص عن ملك الامام(ع) لجميع ما في الارض (على القول بانه كساير الاملاك ولكن في طول مالكية الاشخاص حتى لا يتناقضان) وبقوله بالاصالة عما ثبت لهم بالنذر والوقف.
هذا ولكن يرد عليه انّ هذا تعريف لنصف الخمس لا جميعا، لانّ سهم الله تعالى خارج وسهم النبي(ص) والائمة ثابت بمقتضى كونهم ذا ولاية مطلقة الهية لا بما انّهم من بني هاشم ولذا يعطي سهم الامام(ع) لغير بني هاشم، مضافا الى انّ قوله عوضا عن الزكاة لا يكون الاّ تأكيداً.
فالأولى أن يقال: هو حق مالي يثبّت لله ولرسوله والائمة الهادين من اهل بيته وبني هاشم في مال مخصوص بالاصالة.
وذكر المحقق الخوانساري: «ان المراد بالحق ان كان ما هو في مقابل الحكم ويكون في كثير من الموارد قابلا للاسقاط فهو مبني على عدم كونه بعنوان الاشاعة أو الكلي في المعين وهو محل الاشكال (لانا نقول بملكية ذوي القربى لسهم من الخمس بنحو الاشاعة أو بنحو الكلي في البعض ومن الواضح انّهما من مصاديق الملك لا الحق) وان كان المراد منه المال فهو غير مناسب لتوصيفه بالمالية». يعني لا يصح اخذه جنسا في التعريف لانه عليه يصير التعريف هكذا: الخمس مال مالي.
أقول: عنوان الحق قد يقع في مقابل المال فيكون قسيما له كما في أبواب تعريف البيع والخيار، ولكن قد يكون بالمعنى الاعم منه ومن المال كما يقال لي حق في ارث فلان أو في ارض فلان من طريق الشركة، أو يقال للفقراء حق في اموال الاغنياء بحيث لا ينافي شركتهم، وحينئذ لا مانع من توصيفه بكونه ماليا، لان توصيف العام بقيد خاص لارائة مصداق معين لا محذور فيه على ان الحق اذا اتى به بنحو الاطلاق لا يكون الا بالمعنى الاعم وهو بهذا المعنى (كما عرفت) يشمل المال وغيره فيصح اخذه جنسا لتعريف الخمس ثم تقييده بانه ماليّ.
فلنرجع الى المسائل الثلاث:
اما الأولى: فيدل عليه الادلة الثلاثة، كتاب الله والسّنّة المتواترة والاجماع.
قال الله تعالى:«وَاعْلَمُوا اَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شئ فَاَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ اِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُم بَالله وَما اَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ الْتَقَى الجَمْعانِ وَالله عَلى كُلِّ شئ قَديرٍ».
دل على وجوب الخمس في الغنائم، واما المراد من الغنائم ماذا، فسيأتي الكلام فيه مبسوطا ان شاء الله. وظاهر الاية مشحون بالتأكيدات: ذكر اسم الله في عداد من له الخمس، وجعل الاعتقاد بالخمس شرطا للايمان، والتأكيد بـ«ان» وكون الجملة اسمية، (وتقديم الجار والمجرور) فانه قال تعالى: «فَاَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الخ» ولم يقل فان خمسه لله.
هذا وقد اتفق المسلمون على وجوب الخمس في الغنائم وان خصها الجمهور بما يؤخذ في الحرب، كما قال شيخ الطائفه في الخلاف في المسألة الأولى من كتاب الفيئ وقسمة الغنائم: «كل ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمى غنيمة بلا خلاف، وعندنا ان ما يستفيده الانسان من ارباح التجارات والمكاسب والصنايع يدخل ايضا فيه وخالف جميع الفقهاء في ذلك» ثم استدل باجماع الفرقة على عموم الحكم، وبظهور الاية الشريفة واطلاقها.
والظاهر انهم (العامة والخاصة) اتفقوا ايضا على وجوب الخمس في الركاز وهو الكنز كما صرح في الخلاف في المسألة ٥١٤ من مسائل الزكاة (فانه ذكر مسائل الخمس تارة في طي مباحث الزكاة من دون افراد باب له، واخرى خصوص الغنائم في كتاب الفيء والغنايم).
كما يظهر منهم الاتفاق ايضا على وجوبه في المعدن وان اختلفوا في انواع المعادن من الذهب والفضة وغيرها ومن المنطبع وغير المنطبع (كالياقوت والزبرجد والفيروزج).
واما الاخبار: فمن طرقنا متواترة كما يظهر لمن راجع كتاب الخمس في الوسائل، فقد حكى فيه زهاد مأة رواية في ابوابه المختلفة، ومن طرق اهل الخلاف لو لم تكن متواترة فلا اقل من انها متظافرة كما لا يخفى على من راجع سنن البيهقي.
وبالجملة اصل وجوبه بحسب الحكم اجمالا فمما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، نعم في تفاصيله خلاف كثير سيأتي انشاء الله.

اما الثانية: اعني كونه عوضا عن الزكاة التي هي أوساخ أيدي الناس، فقد اشير اليه في روايات كثيرة مروية في كتاب الخمس في الباب الأول من ابواب قسمة الخمس:
منها ما رواه سليم بن قيس عن أمير المؤمنين(ع) و قال خطب أمير المؤمنين(ع) وذكر خطبه طويلة يقول فيها: «نحن والله عنى (الله) بذي القربى الذين قرننا الله بنفسه وبرسوله. فقال: فلله وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فينا خاصة (الى ان قال ) ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، اكرم الله رسوله واكرمنا اهل البيت ان يطعمنا من أوساخ الناس فكذبوا الله وكذّبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا الحديث».
ومنها ما رواه الريان بن الصلت عن الرضا(ع) وقال: «“ فلما جائت قصة الصدقة نزّه نفسه ورسوله ونزه اهل بيته، فقال: اِنّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقراءِ وَالمَساكينِ الآية ثم قال: فلما نزه نفسه عن الصدقة ونزه رسوله ونزه اهل بيته لا بل حرم عليهم لان الصدقة محرمة على محمد واله وهي أوساخ ايدي الناس لا تحل لهم لانهم طهروا من كل دنس ووسخ».
ومنها مرفوعة الصفار عن احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: «الخمس من خمسة اشياء “ والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه، فالنصف خاصة والنصف لليتامى والمساكين وابناء السبيل من آل محمد ـ عليهم السلام ـ الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس الحديث».
ومنها ما رواه في الوسائل في ابواب الزكاة من تفسير العياشي عن الصادق(ع) قال:« ان الله لا اله الا هو لما حرم علينا الصدقة ابدل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال». (ولعل المراد من الكرامة النذر واشباهه).
ومنها صحيحة الفضلاء عنهما ـ عليهما السلام ـ قالا: «قال رسول الله(ص): ان الصدقة أوساخ ايدي الناس وان الله قد حرم على منها ومن غيرها ما قد حرمه».
ولعل التعبير بكونها أوساخا مأخوذ من قوله تعالى في سورة البراءة، الآية١٠ : خُذْ مِنْ اَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِها، كان في الاموال التي بايدي الناس وسخا ذاتيا لا تطهر الا بازالة الأوساخ منها، فاخذ الصدقات يوجب طهارة للنفوس وللاموال كلها، لكن المأخوذ في الواقع هو نفس الأوساخ ولا جل ذلك لا يحل لهم.
وقد مر انه تعالى فرق في كتابه بين الخمس فاضاف الاموال في باب الزكاة والصدقات الى الناس وقال خذ من اموالهم، ولكن في باب الخمس جعل الشركة بين ارباب الخمس وصاحبي الاموال، فقال: وَاعْلَمُوا اَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيٍ فَاَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ“ الآية.
ان قلت: التعبير بالأوساخ يوجب تنفر الطباع عن اخذ هذه العطية الالهية ـ اعني الزكوات ـ وهذا مناف لشأنها.
قلت: ولعل النظر ايضا تنفير الطباع منها حتى لا يحسبها الناس اموالا يتبرك فيها بل تكون عندهم امرا لا يقصر الا عند الضرورة والحاجة الشديدة كي يرغب الناس في السعي لتحصيل معاشهم، وتبقى الزكاة للزمنى واليتامى ومن لا يقدر على شيء.
هذا مضافا الى ان قرابات رؤساء الحكومات كثيرا ما يتغلبون على اموال بيت المال وحقوق الناس، ويوجب ذلك التهمة والشّين على رئيس الحكومة، وكان الله تعالى اراد تنزيه ساحة النبي (ص) والائمّة ـ عليهم السلام ـ عن هذا الدنس فحرّم بني هاشم وهم قراباته (ص) عن الزكاة مطلقا، حتى انه يظهر من بعض الروايات انهم اذا اتوه وسألوه ان يستعملهم على الصدقات كي يكون لهم سهم العاملين عليها لم يقبل منهم. وقال: «يا بني عبد المطلب (هاشم) ان الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة».
فأراد جلب رضاهم بهذا الامر المعنوي بدل الامر المادي.
ان قلت: كيف يكون الخمس عوضا عن الزكاة والحال ان آية الخمس وردت في سورة الانفال، وفيها اشارات كثيرة الى غزوة بدر فهي من أول ما نزلت بالمدينة واما آية الزكات (خُذْ مِنْ اَمْوالِهِمْ“ الآية) فقد نزلت بعد فتح مكة فهي من آخر ما نزلت عليه؟
قلت: الظاهر ان تشريع الزكاة كان من قبل وقد اشير اليها في سائر السّور القرآنية ولم يكن تشريعه بعد فتح مكة، كيف وهي من اقدم ما يلزم في تأسيس الحكومة الاسلامية واصلاح امر بيت المال، فآية البراءة تأكيد عليها أو نزلت بلحاظ ما فيها من الخصوصيات ـ كتطهير النفوس بالصدقات وصلوة النبي(ص) فلا مانع من كون الخمس عوضا عن الزكاة وتشريعه مقارنا لها.
وقد ذكرنا جوابا آخر لهذا الاشكال في تعليقاتنا على العروة الوثقى فراجع.
ان قلت: اليس في جعل هذه الاموال العظيمة لبني هاشم وجعل الزكاة التي قد تكون اقل منها لجميع فقراء الناس وسائر المصارف، نوع تبعيض مناف للعدالة والمساواة التي امرنا الله تعالى بها في الاسلام؟
قلت: كلا ليس الامر كذلك اذا تدبرنا في هذه الاحكام حق التدبير، اما بالنسبة الى سهم الامام(ع) (اعني السهام الثلاثه الأولى) فلانه ليس من حق الفقراء في شئ، بل حق ولاية الامر بمالها من المصارف الهامة المعلومة لكل احد، واما السهام الثلاثة الباقية، فهي مختصة بفقراء بني هاشم كما ان الزكاة مختصة بغيرهم لا تفضل احدهما على الاخر، فان الفقير لا يجوز له ان يأخذ اكثر من قوت سنته على المختار ـ كما سيأتي ان شاء الله ـ فقراء كل من الطائفتين يأخذون بمقدار قوت سنتهم لا ازيد، وزكاة الاموال ـ لو اداها الناس ـ كانت وافية بحاجة الفقراء كما في الاحاديث، وحقّ السادة لو عمل بها الناس، وان زاد على صاحبتهم في بعض الاعيان، كما في الجوامع التي اتسعت فيها الصنايع والتجارات (لا خصوص الزرع والضرع) ولكن الزائد عن حاجتهم يعود الى بيت المال، كما في الحديث المشهور الذي رواه في الوسائل في الباب ٣ من ابواب قسمة الخمس، الحديث ١ و ٢.
قال في الثاني بعد ذكر تحريم الزكاة على آل محمد(ص): «عوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل شيء فهو له وان نقص عنهم ولم يكفهم اتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان».
وهاتان الروايتان وان كانتا ضعيفتي السند بالارسال والرفع، ولكنهما موافقان للقاعدة كما لا يخفى.
المسألة الثالثة: كونه من الضروريات التي يوجب انكارها الكفر اجمالا. وقد وقع الخلاف بين الاعلام من ان انكار الضروري يوجب الكفر مطلقا أو بشرط ان يرجع الى انكار الالوهية أو التوحيد أو الرسالة، والحق كما اثبتناه في محله هو الثاني والتفصيل موكول الى هناك.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين