حقيقة الإجارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
قال قدس سره(١): (كتاب الإجارة. وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة والثاني مثل إجارة الدار).
الإجارة هي معاملة جارية على المنفعة. والمنفعة تارة تكون من قبيل العمل وأخرى من قبيل آخر.
مثال الأول: إجارة البنّاء للبناء والخيّاط للخياطة والكاتب للكتابة، وما شاكل ذلك، فإن الخياطة والكتابة والبناء منافع يملّكها أحد الطرفين للآخر، وهي أعمال، كما هو واضح.
ويصطلح على الإجارة التي تكون المنفعة فيها عملاً بالإجارة على العمل أو على الأعمال.
ومثال الثاني: إجارة الدار للسكن، فإن قابلية الدار للسكن التي هي منفعتها ليست عملاً.
ويصطلح على الإجارة التي تكون المنفعة فيها من غير العمل باجارة العين أو الإجارة في الأعيان.
ثم ان لكل اجارة اطرافاً ثلاثة:
أ ـ المنفعة التي تملّك بالإجارة.
ب ـ الشخص الذي تنتقل إليه المنفعة ويتملكها. ويسمى بالمستاجِر، من دون فرق بين إجارة الأعيان وإجارة الأعمال.
ج ـ الشخص الذي تنتقل منه المنفعة. ويسمى بالأجير أو المؤجَر في باب إجارة الأعمال، وبالمؤجِر في باب إجارة الأعيان، فمالك الدار مؤجِر ولا يقال له أجير أو مؤجَرَ وإنما ذلك يختص بمثل الخيّاط والبنّاء في باب إجارة الأعمال.
هذا ما يرتبط بتوضيح بعض المصطلحات.
والكلام بعد هذا يقع في نقطتين:
١ ـ تحديد حقيقة الإجارة.
٢ ـ الوجه في شرعية الإجارة.
حقيقة الإجارة:
حقيقة الإجارة بنحو الاجمال واضحة لكل إنسان عرفي ولا تحتاج إلى تحديد، فإن الإنسان المالك للعين مالك لمنفعتها أيضاً، وفي مقام النقل تارة ينقل العين، وأخرى ينقل منفعتها، والثاني هو الإجارة، والأول هو البيع أو الهبة أو الصلح أو ما شاكل ذلك.
وعليه فالإجارة بمعناها الإجمالي الارتكازي عبارة أخرى عن نقل المنفعة، وهذا مما لا كلام فيه، وإنما الكلام في تحديدها بنحو التفصيل والدقة، فإن المعاني الواضحة ـ كالماء والهواء و… ـ قد يقع الخلاف فيها فيما إذا أريد تحديدها بنحو الدقة بل قد يكون ذلك أمراص صعباً.
فالعلامة مثلاً حددها بأنها عقد ثمرته نقل المنفعة(٢).
وأشكل عليه بأن الإجارة هي نقل المنفعة دون العقد الذي هو سبب لنقل المنفعة، فإن الإجارة إسم للمسبب الذي هو نقل المنفعة دون السبب وهو العقد، كما هو الحال في النكاح، فإنه إسم للعلقة الزوجية دون العقد الذي هو سبب لها.
ولعله لهذا فسر جمع كالسيد اليزدي في العروة الوثقى وغيره ـ الإجارة بأنها تمليك المنفعة.
وأشكل عليه أيضاً بأن الإجارة لا يتعلق فيها التمليك مباشرة بالمنفعة بل بالعين ذات المنفعة، ولذا تقول آجرتك الدار ولا تقول آجرتك منفعة الدار.
وأيضاً لو كانت الإجارة هي تملكيك المنفعة لكان اللفظ الصريح في الإجارة "ملكتك المنفعة" بينما نجد أن اللفظ الصريح هو "آجرتك الدار"، وهذا يدل على أن الإجارة ليست نفس تمليك المنفعة.
ولعله لهذا فسرها جمع آخر ـ كالسيد الحكيم والسيد الماتن قدس سرهما ـ بأنها معاوضة على المنفعة.
هذا بعض الخلاف في تحديد حقيقة الإجارة بالدقة.
ولابدّ أن لا يغيب علينا أن أحكام الإجارة وآثارها مترتبة عليها بما لها من معنى إجمالي ارتكازي، وهو واضح لا يحتاج إلى تحديد، وأما معناها بالدقة فهو ليس مركزاً للآثار لنحتاج إلى تحديده ونصرف العمر العزيز في الخلاف المذكور الذي أشرنا إلى بعضه.
وعليه فالأجدر الأعراض عن بيان حقيقة الإجارة بنحو الدقة بعد عدم الثمرة له.
وكان الأجدر لهم الأعراض عن هذا والتعرض إلى وجه مشروعية الإجارة، فإن هذا وإن لم يكن مهماً ـ بعد التسالم بين الكل على شرعيتها ـ إلا أن التعرض إليه أفضل من التعرض إلى ذلك.
وقبل أن نترك الحديث عن حقيقة الإجارة يجدر التعرض إلى الفارق بين الإجارة والأمر بالعمل وإلى الفارق بين الإجارة والجعالة.