لا تظنن بكلمة خرجت من أحدٍ سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً. ( نهج البلاغة ٤: ٨٤ )      الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      من أطال الأمل أساء العمل. ( نهج البلاغة ٤: ١٠)        لا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٧٣)      
الدروس > بحث خارج > فقه > النكاح الصفحة

ملحقات النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم‏
حقوق الوليد
قال المحققّ الحلّي: (في أحكام الولادة، والكلام في سنن الولادة، واللواحق.
أمّا سنن الولادة، فالواجب منها: استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلاّ مع عدم النساء، ولا بأس بالزوج وإن وجدت النساء)(١).
وها نحن نبحث عن هذا العنوان وما يرتبط به في الجملة ضمن الأمور التالية:
الأوّل: أنّ الشريعة الإسلاميّة أكدت على حقوق الأفراد والمجتمع واهتمّت بأمرها أشدّ الاهتمام، ومن جملتها حقوق الأولاد من بداية ولادتهم، بل قبل ولادتهم وعند تكوّنهم، ولكن قد يعبّر في بعض كلمات الفقهاء عن تلك الحقوق بـ: (الأحكام) كما لاحظت نموذجاً منها في كلام المحقّق الحلّي المذكور آنفاً، وممّا يؤسف له مع ما نشاهد من إرساء الإسلام عنايته لأمر الحقوق واعتنائه لها، أنّ الفقهاء لم يركّزوا اهتمامهم بهذا الأمر اهتماماً تامّاً واقتصروا غالباً في كتبهم الفقهيّة على بيان الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة.
الثاني: أنّ جملة من الحقوق المذكورة للولد في النصوص والتعبيرات ـ وسيأتي بعضها في کلام الماتن ـ وإن کانت مناسبة للأزمنة السابقة ولا يعمل بها، أو لا موضوع للعمل بها في هذه العصور، إلاّ أنّها تكشف عن اهتمام الإسلام بأمر المولود وحقوقه في تلك الظروف الخاصّة، وبحسب الإمكانات الموجودة في تلك الأزمنة.
الثالث: أنّ من جملة حقوق الوليد ـ بل من أعظمها عند الشرع ـ انتسابه إلى والديه وأسرته، وأنّه عند الاختلاف متى أمكن انتساب الولد إلى الزوج يحكم به ولا يجوز له نفيه، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))(٢) ، وقد سبق البحث عن هذا الأمر تفصيلاً عندما ذكره المحقّق في قوله: (ويلزم الأب الإقرار بالولد؛ مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له، فلو أنكره والحال هذه لم ينتفِ إلاّ باللعان)(٣).
ومن موارد اهتمام الإسلام بأمر المولود أنّه لو كان للميّت ـ مضافاً إلى سائر ورثته ـ حمل في بطن أمّه ولم يعلم حاله، يعزل له نصيب ذكرين ويعطي الباقي للباقين، ثمّ بعد الولادة وتبيّن الحال يقسّم على ما فرضه الله.
الرابع: ومن جملة تلك الحقوق حفظ حياة المولود بحيث يكون على النساء القوابل حضور المرأة عند الولادة حتّى يحفظن النفس المحترمة عند تحقّق ما يخشى منه تلف المرأة أو مولودها مع عدم الحضور، بل يجب حفظ حياته قبل ولادته حين يكون جنيناً في بطن أمّه ويحرم سقطه، وعلى الذي أسقطه الدية بحسب وضع الجنين من كونه نطفة أو علقة أو مضغة أو غيرها.
بل لو فعلت المرأة ما يوجب عليها الحدّ أو التعزير أو القصاص في النفس أو الأطراف وهي حامل في أيّة مرتبة من الحمل، لا يقام عليها الحدّ ـ رجماً كان أو جلداً ـ والتعزير ولا يقتصّ منها حتّى تضع حملها وترضع ولدها، تحفّظاً على الولد.
الخامس: أنّ حضور القوابل واجبٌ في جميع المراحل على من بلغه حالها بلا خلاف ولا إشكال(٤) ، ولكنّه كفائيّ كسائر الواجبات الاجتماعيّة الكفائية التي لو أخلّ بامتثالها الكلّ لعوقبوا على مخالفتها جميعاً، ولو أتى بها بعضهم سقط عن الباقين.
السادس: مع فرض وجود النساء القوابل، ومع قدرتهنّ ومهارتهنّ على حفظ المولود والوالدة يجب استقلالهنّ في شؤون المرأة حين وضعها، ولا يجوز للرجال أن يحضروا عند المرأة للولادة أو إعانتها فيها إذا استلزم اطلاعهم على ما يحرم عليهم، وذلك كما في (الجواهر): (للإجماع، قيل: ولملازمة اطلاع الرجال حتّى المحارم لما يحرم عليهم من النظر للعورة وغيرها ومسّها وسماع الصوت ونحو ذلك، بل ربّما أدّى حضورهم إلى تلفها وتلف ولدها باعتبار ما يحصل معها من الحياء ونحوه، وربّما يرشد إلى ذلك ما دلّ من نصّ وفتوى على قبول شهادة النساء منفردات بالولادة والاستهلال ونحوهما)(٥).
أجل، لا بأس بحضور الزوج وإن وجدت النساء؛ لعدم حرمة شيء عليه من دون خلاف فيه ولا إشكال.
السابع: مع فرض عدم وجود من يقوم بحاجة المرأة من النساء، أو عدم قدرتهنّ ومهارتهنّ على أمر الولادة كما إذا لم تكن ولادة طبيعيّة، بل كانت الولادة بعمليّة جراحيّة وعن طريق العمليّة القيصريّة ولم تكن هذه من اختصاص النساء؛ لتصل النوبة إلى الرجال المحارم لو كانوا مختصين بطبابة النساء والولادة، ومع عدمهم فتصل النوبة إلى سائر الرجال.
كما أنّه يجوز للمرأة مراجعة الطبيب إذا كان أخصّائيّاً ذا كفاءة عالية بالأمراض النسائيّة أو غيرها إذا لم توجد النساء أو وجدت ولكنّهنّ لم يكنّ مختصات ذوات كفاءة عالية بحيث يخاف الهلاك أو حصول النقص أو الضرر بمراجعتها إليهنّ.
الثامن: قد وقع الكلام في أنّه هل يجب تقديم الرجال المحارم على سائر الرجال لتصدّي أمر الولادة عند عدم النساء، أو ذلك على نحو الاستحباب؟
قال في الجواهر: (وينبغي تقديم المحارم، بل عن بعضهم وجوبه، وهو لا يخلو من وجه، بل قد يحتمل إيجاب جعل الأجنبي محرماً مع الإمكان، إلاّ أنّ الأقوى خلافه، بل قد يقوى عدم اختصاص الوجوب بالمحارم؛ لاتحاد الجميع في اقتضاء الدليل الدالّ على وجوب حفظ النفس المحترمة المرجّح على غيره، فتباح حينئذ المحظورات عند الضرورات التي اقتضت جواز لمس الطبيب ونظره حتّى إلى العورة، بل ربّما نوقش في إطلاق عدم جواز مساعدة الرجال بعدم دليل عليه مع عدم استلزامها اطلاعهم على العورة وإن كان قد تدفع بما أومأنا إليه)(٦).
وأقول: لا يبعد أن يقال بوجوب التقديم لو لم يلزم منه الحرج والمشقّة، ولم يخف على تلف المرأة ووليدها أو نقصهما أو تضرّرهما باعتبار ما يحصل لها من الحياء عند حضور محارمها.
التاسع: قد ورد في خبر السكوني عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: ((كان عليّ‏ بن الحسين ـ عليه السلام ـ إذا حضرت ولادة المرأة قال: أخرجوا من في البيت من النساء لا يكون أوّل ناظر إلى عورة))(٧).
هذا على ما نقله الكليني، ويكون ظاهر معناه ألاّ يكون أوّل نظر الطفل إلى نساء غير محارم، ولكن لا يخفى بُعد هذا المعنى كما ذكره المجلسي أيضاً(٨).
وقد ورد في (التهذيب): (لا تكون أوّل ناظر إلى عورة)(٩) ، ومعناه ألاّ تكون النساء أوّل ناظر إمّا إلى عورة المولود أو إلى عورة المرأة.
وجاء في (الفقيه): (لا تكون المرأة أوّل ناظر إلى عورته)(١٠) ، أي إلى عورة المولود.
والذي يخطر بالبال ويتبادر إلى الذهن أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ أمر بإخراج النساء اللاتي حضرن في البيت للنظر إلى أحوال المرأة لا النساء القوابل، وعلى هذا فحكمة أمره ـ عليه السلام ـ واضحة، ولا يكون (حكماً غريباً مخالفاً للسيرة والفتاوى وغيره من النصوص) على ما ذكره في (الجواهر)(١١).
العاشر: قد يتّفق تبديل المولود سهواً أو عمداً في مستشفى الولادة بغيره، وحينئذ لو ادّعى أحد استبدال وليده بوليد آخر، وكان له ما يثبت مدّعاه من البيّنة أو القرائن العلميّة ـ ومن جملتها في هذا العصر التحاليل الطبيّة واختباراتها التي توجب القطع والاطمئنان ـ فهو، وإلاّ فلو أنكرت الممرّضة أو القابلة الاستبدال فالقول قولها، بل يظهر من جملة من الأخبار(١٢) قبول شهادة القابلة الواحدة في الولادة أو استهلال‏ الطفل عند الولادة حتّى يكون وارثاً، أو بروزه ميتاً حتى لا يكون وارثاً.

(١) شرائع الإسلام ٢: ٢٨٧.
(٢) وسائل الشيعة ٢١: ١٧٣ ــ ١٧٥، أبواب نكاح العبيد والإماء، ب٥٨، ح٢، ٣، ٧.
(٣) شرائع الإسلام ٢: ٢٨٥.
(٤) راجع: جواهر الكلام ٣١: ٢٥٠.
(٥) جواهر الكلام ٣١: ٢٥٠.
(٦) جواهر الكلام ٣١: ٢٥٠.
(٧) الكافي ٦: ١٧/ ١. وراجع: وسائل الشيعة ٢١: ٣٨٥، أبواب أحكام الأولاد، ب ١٨، ح١.
(٨) ملاذ الأخيار ١٢: ٤٠٦ ــ ٤٠٧.
(٩) تهذيب الأحكام ٧: ٤٣٦/ ١٧٣٧.
(١٠) من لا يحضره الفقيه ٣: ٣٦٥ ــ ٣٦٦/ ١٧٣٩.
(١١)جواهر الكلام ٣١: ٢٥١.
(١٢) راجع: وسائل الشيعة ٢٧: ٣٥١، ٣٥٤، ٣٦٢، ٣٦٤، ٣٦٥، أبواب كتاب الشهادات، ب ٢٤، ح٢، ١٠، ٣٨، ٤٦، ٥١.