النكاح ومهر السنة
بسم الله الرحمن الرحيم
النكاح ومهر السنة
ما جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام: ((ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله ـ عز وجل ـ من التزويج))(١). وبما أن محل الابتلاء هو مهر السنّة، والتبرك بمهرية الزهراء ـ عليها السلام ـ في كثير من عقود الزواج، فنحقق في مقدار المهر الذي هو سُنّة.
أمّا مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ فيوجب الحرج؛ لأن ما جُعل مهراً لها كثير جداً بمقدار يشمل البحار أيضاً.
قال الشاعر:
وفاطمة ماء الفرات لها مهرُ(٢)
ولذا لا يُكتب في الصداق مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ إلا بإضافة قرينة المهر النقدي؛ ولذلك يختلف عنوان مهر السنة عن مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ إلاّ إذا قيدنا مهرها ـ عليها السلام ـ بالمهر الظاهري والنقدي، وحسب الأخبار التي هي أظهر في مقدارها (٥٠٠) درهم وإن قيل بأقل(٣)، فلابد من معرفة مقدار الدرهم حتى نحوّلها إلى النقود في كل عصر.
الدرهم من جهة الوزن: هو ما يساوي عشرة من سبعة مثاقيل من الفضة، وينتج أنّ كل درهم اثنتا عشرة وستة أعشار الحمصة من الفضة، فإذا كان المثقال الصيرفي ـ المتداول في السوق ـ أربعاً وعشرين حمصة، والمثقال الشرعي ثماني عشرة حمصة، فإنّ وزن الدرهم اثنتا عشرة وستة أعشار من الحمصة.
غاية الأمر لا يكفي أن نسأل السوق ونُراعي قيمة الفضة الموجودة؛ لوجود عاملين أضيفا في القيمة ـ في ما سبق ـ ولا يوجدان فعلاً:
الأول: أنّ الدرهم كان مسكوكاً ولذلك سُمّي درهماً، فالفرق بين الفضة والدرهم أنّ الدرهم مسكوك والفضة أعمّ، ونفس المسكوكية تضاف في القيمة، فلو محيت السكة لنزلت قيمتها.
الثاني: بما أنّ السكة كانت موجبة لرواج الدرهم وتداوله في السوق كالنقود في هذا العصر، فهذا يُشكّل عاملاً ثانياً لارتفاع قيمته آنذاك عن الفضة في عصرنا؛ وذلك لقانون أنّ الطلب إذا كثر فإنّ المطلوب يغلو، حيث إن في ذلك العصر كانت المادة الفضية ـ كالذهبية ـ تشكل النقود الرائجة، وكانت البلاد محتاجة إلى هذه المادة؛ لدوران اقتصادها وقيام أسواقها، فكانت الفضة واقعة تحت الطلب؛ ولذا ترتفع قيمتها زائداً على مطلوبيتها بالنسبة إلى تزيّن النساء بها، بخلاف العصر الحاضر فإنّها ليست مطلوبة لإدارة الاقتصاد أصلاً حيث استُبدلت بالأوراق، وأيضاً ليست مطلوبة من جهة التزيين والتجمّل عند النساء؛ لأن الفضة قد خسرت قيمتها أكثر مما خسر الذهب وإن كانا مشتركين في العامل الأول أي أنّهما ليسا من النقود الرائجة.
ولذلك فقد قامت بعض البنوك الخارجية ببيع ذهبها الذي كان أساساً لاعتبارها الاقتصادي وتبديله بأساس آخر، وأمّا في السابق فلم يستغنِ عنه، فبسبب هذين العاملين لا نكتفي بقيمة الفضة في سوقنا اليوم، بل لابد من أن نفرض هذا المقدار من الفضة مسكوكاً بالسكة الرائجة، ونفرض أنّ الفضة لو كانت مسكوكة ورائجة وتتمتع بهذا الطلب الكثير في كل البلاد ماذا كانت قيمتها؟ فتلك القيمة نضربها في خمسمائة، وبما أنّ هذا العمل صعب فنسهله إلى حدّ ما بأن نبدّل مهر السنّة من الفضة إلى الذهب لما تقدم من أنّ الخسارة التي مُنيت بها الفضة أكثر ممّا مُني بها الذهب، والتبديل سهل؛ لأنّ مقدار نسبة الدينار إلى الدرهم من ناحية القيمة واضح، وهو أنّ كل عشرة دراهم تساوي ديناراً، فنسلك الطريق الأسهل ونُحدد مهر السنّة بخمسين دينار، وخمسون ديناراً هو خمسون مثقالاً شرعياً، فنسأل عن قيمة الخمسين مثقالاً ذهباً؟(٤) وهنا عاملان متعاكسان:
الأول: ما يقلل من رقمنا وهو أنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ، فخمسون مثقالاً شرعاً يكون أقل وزناً من خمسين مثقالاً المتعارف في السوق اليوم.
فنقول: ٥٠ × (ثلاثة أرباع) المثقال، ولكن في مقابله ثلاثة عوامل ترفع القيمة.
١ـ أن الذهب الذي يشكل الدينار الشرعي هو الذهب الخالص، وأما الذهب الفعلي حتى الجيد منه ليس بخالص، فلئن كان مثقالهم أكثر وزناً من الشرعي لكنه أضعف من الناحية الكيفية، فلو كان الذهب الموجود خالصه ثماني عشرة حمصة فإنّه يساوي المثقال الشرعي والزائد ليس بذهب.
٢ـ أنه التمتع بالسكة المسكوكة؛ لأنها تضيف على القيمة من أهل الذهب.
٣ـ أنه الرواج كما تقدم.