من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه. ( نهج البلاغة ٤: ٣)      من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )        خير القول ما نفع. ( نهج البلاغة ٣: ٤٠)      الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله. ( نهج البلاغة ٤: ٥٧)        ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      
الدروس > بحث خارج > أصول > مباحث الدليل اللفظي الصفحة

تعريف علم الأصول
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
من الواضح ان دور علم أصول الفقه دور الممون للفقيه بما يحتاج إليه من القواعد في مقام الاستنباط، فإذا أراد التعرف على حكم جواب السلام وانه واجب احتاج إلى قاعدتين لاستفادة الوجوب من قوله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها":
أحدهما: ان الأمر ظاهر في الوجوب.
ثانيتهما: ان الظهور حجة.
ان هاتين القاعدتين وأمثالهما مما يحتاج إليه الفقيه في مقام الاستنباط عبارة أخرى عن علم الأصول.
وعليه فعلم الأصول هو القواعد المذكورة فقط دون غيرها.
هذا ولكننا نرى ان علم الأصول بالتدريج ومرور الزمن اصبح وكأنه علم ستقل لا يطلب لأجل التوصل إلى تلك القواعد فقط حيث أخذ الأصوليون يذكرون فيه مباحث أجنبية عن تلك القواعد وبعيدة عنها كل البعد.
ونتمكن ان نقسم ما هو المبحوث في علم الأصول إلى أقسام ثلاثة:
١ ـ ما لا ثمرة له في الفقه أو كادت ان تكون ثمرته بحكم العدم وبإمكان الفقيه الاستغناء عنه. ومن هذا القبيل مبحث الحقيقة الشرعية، والوضع، والمعنى الحرفي، والترادف والاشتراك، والتعبدي والتوصلي، وان نسخ الوجوب هل يدل على الجواز، و...
٢ ـ ما له ثمرة ولكنه لا يستحق البحث المطول لشدة وضوح إثبات النتيجة. ومن هذا القبيل مبحث المشتق، فإن الأصوليين قد ذكروا فيه أبحاثاً مطولة ومعقدة بالرغم من ان النتيجة واضحة الإثبات، فالكل أصبح يقول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ لتبادر ذلك منه وصحة سلبه عن المنقضي عنه المبدأ وبالرغم من ذلك أطالوا البحث فيه من جوانب مختلفة.
٣ ـ ما له ثمرة مهمة ويستحق التطويل كمبحث الأصول العملية وتعارض الادلة، ونتمكن ان نقول ان أهم ما يحتاج إليه الفقيه من علم الأصول هو هذان البحثان.
ونحن نحاول في هذه الدورة الثانية الأصولية ـ بحوله وقوته عز وجل ـ التأكيد على القسم الثالث مع المرور على القسم الثاني بشكل عابر وعدم التوقف إلا لدى الأبحاث المهمة التي يشتمل عليها، فمثلاً في مبحث الأوامر نحاول التأكيد على مسألة ان الوجوب هل يستفاد من الأمر بسبب حكم العقل أو بسبب الظهور الوضعي أو الاطلاقي، فإن هذا مبحث مهم وترتب عليه حجية قرينة وحدة السياق وعدمها، وهكذا في مبحث العام والخاص أو المطلق والمقيد يوجد مبحث مهم يحتاج إليه الفقيه في كثير من المسائل، وهو انه لو كان للعام أو المطلق مخصص أو مقيد منفصل مردد مفهوماً بين السعة والضيق فهل يجوز التمسك بعموم العام وباطلاق المطلق أو لا؟
انه في القسم الثاني نبحث عن مثل هذه الجوانب المهمة التي يحتاج إليها الفقيه في مقام الاستنباط ونحاول عدم التعرض إلى ما زاد عن ذلك.
هذا في القسم الثاني.
وأما القسم الأول فنترك أبحاثه خصوصاً الأمور الثلاثة عشر التي تعرض لها الآخوند الخراساني في المقدمة من الكفاية ونبدلها بالبحث عن أمور أخرى يحتاج الطالب إليها من دون ان تبحث في الكتب بشكل مستقل من قبيل:
١ ـ البحث عن حقيقة الحكم وانه اعتبار شرعي أو عبارة عن الاردة والحب، فالشيخ النائيني اختار الأول بينما الشيخ العراقي اختار الثاني، وتترتب على ذلك بعض الثمرات المهمة، من قبيل:
أ ـ ان الشيخ النائيني بنى على ان كل حكم شرعي يرجع إلى قضية حقيقية، فقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) يرجع إلى انه متى ما وجد شخص مستطيع وتحقق في الخارج فيجب عليه الحج، بينما الشيخ العراقي انكر ذلك كما يأتي ايضاحه انشاء الله تعالى، والرأي الأول مبني على تفسير الحكم بالاعتبار بينما الرأي الثاني مبني على تفسير الحكم بالارادة والحب.
ب ـ ان الشيخ النائيني اختار ان فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعة، فوجوب الحج يصير فعلياً متى ما تحققت الاستطاعة بالفعل في الخارج، بينما الشيخ العراقي انكر ذلك باعتبار ان حقيقة الحكم هي الارادة، وهي فعلية دائماً.
ج ـ ان الشيخ النائيني انكر جريان الاستصحاب التعليقي باعتبار انه قبل تحقق الغليان فعلاً لا حرمة فعلاً لتستصحب بينما الشيخ العراقي قال بجريان الاستصحاب التعليقي لان الحكم عبارة عن الاردة، وهي فعلية دائماً.
إلى غير ذلك من الثمرات المترتبة على ذلك.
٢ ـ البحث عن ان القدرة هل هي شرط في متعلق الحكم او لا، فالشيخ النائيني قال هي شرط فيه بينما ذهب اخرون إلى انها شرط في مقام الامتثال، ولهذا البحث ثمرة وهي انه على الاول لا يمكن استكشاف تحقق الملاك في حق غير القادر بخلافه على الثاني.
٣ ـ البحث عن مسقطات الحكم وان الامتثال والعصيان هل هما من مسقطات فعلية الحكم اوهما من مسقطات فاعليته دون فعليته.
٤ ـ البحث عن انه متى يجوز عقلاً للمكلف تعجيز نفسه عن امتثال التكليف.
٥ ـ البحث عن الدلالة الالتزامية وانها تابعة للدلالة المطابقية في الحجية او لا، فان هذا البحث لم يبحث في الكتب الاصولية القديمة واشير اليه في كلمات المتاخرين في مبحث التعارض تارة وفي مبحث الضد اخرى في الوقت الذي يكون من المناسب عقد بحث مستقل عنه.
إلى غير ذلك من الابحاث التي هي من هذا القبيل.
وسنشرع انشاء الله تعالى اولاً عن تعريف علم الاصول ثم تقسيم مباحثه ومن ثم نتعرض إلى الابحاث المذكورة التي اشرنا اليها.