موضوع العلوم ومسائلها وتمايزها
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر المحقّق الخراساني في الأمر الأوّل من الاُمور الثلاثة عشر التي جعلها مقدّمة واحدة أموراً مهّمة نذكر عناوينها:
١ـ تعريف موضوع العلم.
٢ـ ما هي النسبة بين موضوع العلم وموضوع المسألة؟
٣ـ لزوم وجود موضوع لكلّ علم.
٤ـ تمايز العلوم.
٥ـ ما هو موضوع علم الاُصول؟
٦ـ ما هو تعريف علم الاُصول؟
٧ـ ما هو الفرق بين المسائل الاُصولية والقواعد والمسائل الفقهية؟
فهنا جهات من البحث:
الجهة الاُولى: تعريف موضوع العلم
عرّف القدماء موضوع كلّ علم بأنّه: ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية. وعرّفوا العَرَض الذاتي بـ: ما يعرض للشيء بلا واسطة كالتعجب بالنسبة للإنسان، أو بواسطة أمرٍ مساوٍ كالضحك العارض له بواسطة التعجب.
معنى العَرَضي
توضيح ذلك: أنّ العَرَض في الفلسفة يقابل الجوهر، فالماهية إذا وُجدت لا في موضوع فهو جوهر كالإنسان، وإذا وجدت في موضوع فهو عَرَض كالسواد. هذا هو العرض حسب الاصطلاح الفلسفي.
وأمّا العرض في الاصطلاح المنطقي فهو أوسع من سابقه، وهو يطلق على الخارج عن ذات الشيء المحمول على الشيء لاتّحاده معه في الخارج. وعلى هذا فالناطق عرض بالنسبة إلى الحيوان؛ لخروجه عن حقيقته وصحّة حمله عليه لوحدتهما في الخارج في مورد الإنسان.
والمراد من العرض هنا هو المصطلح المنطقي لا الفلسفي، وربّما صار الخلط بين الاصطلاحين منشأً للاشتباه.
معنى الذاتي
ثمّ إنّ الذاتي يطلق ويراد منه أحد المعاني الثلاثة:
١ـ الذاتي في باب الإيساغوجي ـ الكلّيات الخمس ـ والمراد منه ما كان جنساً أو فصلاً أو نوعاً للشيء. وبعبارة اُخرى: ما يكون مقوّماً للموضوع ومن ذاتيّاته. ويقابله العرضيّ، وهو ينقسم بدوره إلى عرض عام وخاص، كما هو مفصّل في المنطق.
٢ـ الذاتي في باب البرهان، وهو عبارة عن الخارج عن ذات الشيء المحمول على الشيء من دون حاجة في الانتزاع، أو في الحمل إلى وجود حيثية تقييدية في جانب الموضوع. وهذا كما في قولنا: (الإنسان ممكن)، فإنّ الإمكان ليس مقوّماً للإنسان؛ إذ ليس هو نوعه أو جنسه أو فصله، ومع ذلك يُنتزع منه أو يُحمل عليه بلا حاجة إلى حيثية تقييدية، على نحو يكون وضع الإنسان ملازماً لوضع الإمكان.
وربّما يمثّل بحمل الموجود على الوجود، والأبيض على البياض، وربّما يطلق عليه المحمول بالصميمة، ويقابله ما يسمّى المحمول بالضميمة، كحمل الأبيض على الاسم، فلا يوصف بكون أبيض إلاّ بعد ضمّ البياض إليه وعروضه عليه.
٣ـ الذاتي في باب الحمل والعروض ـ ويقابله الغريب ـ وهو المراد من قولهم: موضوع كلّ علم ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية. محمولات المسائل أعراض ذاتية لموضوع العلم.
وقد اختلفت كلمتهم في تفسير العرض الذاتي في المقام، فذهب المحقّق الخراساني ـ تبعاً للمحقّق السبزواري في تعاليقه على (الأسفار) (١) ـ إلى أنّ المعيار في كون العرض ذاتياً أو غريباً هو أن يكون العرض من قبيل الوصف بحال الشيء لا الوصف بحال متعلّق الشيء.
وبعبارة أخرى: العرض الذاتي ما يعرض الشيء بلا واسطة في العروض.
توضيحه: أنّ الواسطة تطلق على عدّة معان:
١ـ الواسطة في الثبوت، وهي ما تكون علّة لعروض المحمول على الموضوع، كالنار الموقدة تحت القِدْر، التي تكون علة لعروض الحرارة على الماء في قولنا: الماء حار.
٢ـ الواسطة في الإثبات، وهي ما تكون علّة لحصول اليقين بثبوت المحمول للموضوع، كقولنا: العالم متغيّر، وكلّ متغيّر حادث، فالعالم حادث. فالتغيّر سبب لحصول اليقين بحدوث العالم. وبذلك يُطلق على الحدّ الأوسط: الواسطة في الإثبات.
٣ـ الواسطة في العروض، وهي المصحِّحة للنسبة بحيث لولاها لما صحّت النسبة، كما في قولنا: جرى الميزاب، فإنّ الجاري حقيقة هو الماء ، لكن علاقة المجاورة أو الحاليّة والمحلّية تُصحّح نسبة الجريان إلى الميزاب، لكن ادّعاءً ومجازاً.
إذا وقفت على ذلك فنقول: إنّ الميزان في عدّ العرض ذاتياً أو غريباً هو كون الوصف بحال الموصوف أو بحال المنطق، وهذا هو المقياس لذاتية العرض وغرابته، سواء كان عارضاً بلا واسطة أو بواسطة مساوٍ أو بواسطة أخصّ أو أعمّ، فوجود الواسطة وعدمها ونسبتها مع ذي الواسطة ليس مطروحاً في المقام، وإنّما المطروح كون النسبة حقيقية أو مجازية.
وعلى ذلك تكون الأمثلة التالية من العرض الذاتي:
أ ـ إذا عرض للموضوع بواسطة مباينة، كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار.
ب ـ إذا عرض للموضوع بواسطة أعمّ ، كالمشي العارض للإنسان بواسطة الحيوان الأعمّ من الموضوع.
ج ـ إذا عرض للموضوع بواسطة أخصّ، كالضحك العارض للحيوان بواسطة الإنسان.
فكلّ ذلك يعدّ من العرض الذاتي دون العرض الغريب. فأخصيّة الواسطة أو أعمّيتها أو تباينها لا يضرّ بكون المحمول عرضاً ذاتياً بالنسبة إلى موضوع العلم إذا كان الوصف حقيقياً لا مجازياً.